العيش في الماضي يخلي العقل فاضي

• د. منصور الحسيني

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. منصور الحسيني[/COLOR][/ALIGN]

مجتمعنا العربي غريب ، تجد فيه تناقضات لا تجدها في كثير من المجتمعات الأخرى وإن وجدت فهي لن تكون بشدة ما نمارسه نحن العرب في هذا الزمان، أغلبها سلوكيات جاءتنا من الأولين كتراث أو ابتدعها الآخرون وبقينا على خطاهم سائرين، لذلك لا نهتم بالتطوير بحجة أنه يغير هذا التراث الذي نظن أنه من الأصالة التمسك به لأننا في الأصل قبائل و أصحاب ثقافات نفتخر بها في الماضي ونود أن نطبقها في الحاضر الذي لا يتوافق مع بعضها في حين أن تطويرها لا يعني عدم الانتماء لها.
هذه التناقضات تدل على جمود فكري أثر في أغلب شؤون حياتنا فجعل لنا ممارسات وصفات واضحة لمن حولنا وتستغل ضدنا لأننا نمارسها ضد أنفسنا. من يستطيع أن يحدد تحالفاً أو اتفاقية عربية منتجة تم الإتفاق عليها؟ لا أعتقد أننا نجهل فوائد التحالفات الإقتصادية وتوحيد العملة وغيره من الأمور الكثيرة التي وإن جهلنا قواعدها فنحن نشاهدها تحدث حولنا وتنتج المفيد لمجتمعاتها، في المقابل تجدنا ننتج مضادات جوية، أرضية وبحرية لضرب كل الطرق التي تؤدي إلى ماوصل له المتقدمون حتى من بدأ تقدمه مؤخراً ودعمناه في يوم من الأيام لكي يستقيم، فاستقام ونهض وبقينا نحن العرب كما يقال في العسكرية (مكانك راوح).
نعشق الشعارات وعقد المؤتمرات التي نذهب إليها وأغلبنا مختلفين ومنا معاندين، نتقابل أمام الكاميرات ونختار أرق العبارات كأشقاء وجيران، وفي النهاية الكل يعرف أن الأسطوانة (مشروخة) ولكننا لا نغيرها لأننا نتجاهل فوائد التطوير، هذه ثقافتنا التي سببها الجمود الفكري، فالخالق أنزل بلغتنا أشمل و آخر كتبه ليكون المنهج للعالمين إلى يوم الدين وتجدنا نردد أن القرآن لكل زمان ومكان ولكننا في نفس الوقت نطبق فقه ماضي الأزمان على إنسان هذا الزمان حتى وإن لم يتوافق مع نهج القرآن وفكر الإنسان الذي كرمه الله به.
يقال إن الجمود الفكري سببه فقهي لأن العرب خلطوا أوامر الرسالة مع بعض إرشادات النبوة، الرسالة التي تضع الأحكام مثل الحلال والحرام التي من عند الله ولا تتغير بتغير الزمان، والمنهج الحياتي الذي يجتهد فيه النبي بما يتناسب وعصره بما فيه وهو قابل للتطوير مع تطور العصر لأنه فقه حياة لا يناقض مقتضى الكتاب بل يراعي حاجة الناس في ما جعله الله ميسراً لهم فلم ينزل فيه أحكاماً قاطعة بل جعلها آيات ساطعة تسترشدها القلوب والعقول كل في زمانه فيُستنبط منها نظام الحياة بدون نبي وبهذا تتضح معجزة آيات القرآن الثابتة المتحركة التي حتى الراسخين في العلم كما أخبرنا خالقنا بقولهم:\” آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا\”(7: آل عمران) لأنه لا يعلم تأويله إلا الله، جعلت معجزات توافق حياة من قبلنا، نحن ومن بعدنا. ولذلك يقول الإمام أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي في كتابه (صيد الخاطر):\”لا بد للفقيه أن يحوز على حظ من مختلف العلوم\”، لكي يفقه حاجة العصر فيعي البعد الإيجابي العميق للقرآن والسنة.
إذا ما اراد العرب أن ينصلح حالهم وبالتالي المسلمون فلابد من فتح باب المجادلة الفقهية بالتي هي أحسن ويطبقون ما ينفعهم في وقتهم هذا دون إخلال بأحكام الكتاب لقوله تعالى:\”إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ\” (57: الأنعام)، عندها سيجدون أنفسهم في طريق يصلح الدنيا بهذا الدين لأنه صراط مستقيم.
عضو الجمعية العالمية لأساتذة إدارة الأعمال – بريطانيا

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *