العاطلون والفقراء وقرود الهدا
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]شهوان بن عبد الرحمن الزهراني[/COLOR][/ALIGN]
المسؤولية ليست مجرد منصب ومكتب فخم وليست لبس مشلح وعقال وترزز أمام أعين كاميرات التصوير ولاقطات الصوت ومكبراته، كما أنها ليست مجرد تنميق العبارات وضرب الأمثلة وتطبيق بعض النظريات الاقتصادية أو الإدارية أو الاجتماعية أو حتى القانونية – والتي كثيراً ما يتحفنا بها بعض المسؤولين – مع أنها قد تكون وضعت بمنأى عن القيم الإنسانية، وروح التعاون والتكافل، والمبادئ الشرعية، كما أن المسؤولية ليست مجرد حل للمشاكل التي توضع في ملفات العرض أو يرفعها أصحابها مباشرة للمسؤول، ولكن المسؤولية أكبر من ذلك بكثير، وأخطر من ذلك بمراحل . إنها وكما لخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه لأبي ذر رضي الله عنه حينما طلب أن يوليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :\” يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة ويوم القيامة خزي وندامة . \” وكلمة أمانة هنا هي بيت القصيد، لأن كل إنسان مسؤول عن تلك الأمانة هل حفظها أم ضيعها ولا وسطية في ذلك .
حينما يأتي مسؤول كبير في جهة مختصة بتذليل العقبات أمام طالبي العمل وتوفير الفرص المناسبة لهم ، فيلجأ إلى مبررات أقل ما يقال عنها أنها واهية ، ثم يقف حائلاً دون أن تمنح الدولة لهم إعانة شهرية ، حتى يتم حصولهم على عمل ، ويبرر منعه لتلك الإعانة بأنها ستبث في أفراد المجتمع روح التواكل والخمول ، وأن الشاب لن يبحث عن الوظيفة بعد ذلك ، وهذا تبرير أبعد من الثرى عن الثريا عن الصحة والحق والعدالة بل والأمانة ، لأن وضع ذلك الشاب في قائمة الانتظار ومتى توفرت له الوظيفة ، وتم أخطاره بوجود الوظيفة ودعوته إليها ، فامتنع من مباشرتها تم حرمانه مباشرة من الإعانة لعدم جديته في البحث عن الوظيفة ، وهذا حل بسيط جداً ولا أعتقد أنه يغيب عن ذي لب ، ولست أدري عن صاحب نظرية التواكل والخمول ، كيف غاب عنه إن منع الإعانة قد يبث في أفراد المجتمع حب الجريمة بكل أنواعها لتوفير المال لسد الاحتياجات المالية ، فالشاب حينما لا يجد ما يسد به حاجته ومستلزماته الشخصية على الأقل من الوجوه الحلال ، فإن البديل هو البحث عن السبل الأخرى وهي سبل الحرام من سرقة وسطو واحتيال بل وربما القتل وجرائم العرض والشرف . فما هو الأولى بالرعاية والعناية حفظ المجتمع من الجرائم بكل أنواعها ، أم منع التواكل والخمول عن الشباب . مع أنه لا يمكن قبول هذا القول في ظل عدم وجود وظائف أصلاً ، فقد يكون قبول هذا العذر فيما لو كانت الوظائف متوفرة بشكل كبير ومتاحة لطالبيها والباحثين عنها .
ويأتي مسؤول آخر لا يبتعد كثيراً عن هذا المفهوم فحين يسأل عن مصير صندوق الفقر الذي كان مشروعاً وطنياً انتظره كثير من الفقراء والمحتاجين وقد أنشئ كما نعلم بناء على توجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في محاربة الفقر منذ زيارته التاريخية لتلك الأحياء الفقير في الرياض، وهذا المشروع هو حلم كثير من أبناء هذا البلد من الفقراء، إلا أن هذا المسؤول يرى أن تقديم إعانة للفقراء ليست الحل لمحاربة الفقر بل لابد أن يكون الفقراء منتجين وليسوا عالة ! وهذا كلام جميل ولكن كيف يمكن التطبيق ومتى وأين .؟ ! وعلى رأي المثل : \” مت يا . . . حتى يأتيك الغذاء \” إن مشروع تحويل المجتمع من مجتمع يتلقى الإعانات والمساعدات إلى مجتمع منتج يعتمد على كسب يده، هو أمر في غاية الأهمية ونسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يتحقق مثل هذا المشروع . . ولكن ! وهنا نقف . هل يعقل أن ينتظر الفقير والجائع والعاري والذي يعيش تحت شجرة ، حتى يظهر هذا المشروع ويعم المدن والقرى والهجر وكم ستحتاج الدراسات الميدانية ومعرفة ما يصلح أن يكون منتجاً في هذا الجهة أو تلك، ومتى يتم استكمال البيانات الخاصة بالفئات المطلوب تأهيلها للإنتاج، ومتى يتم المشروع بصفة عامة؟ ! أليس مشروع كهذا يحتاج إلى سنين طويلة وعمل مضنٍ دؤوب ؟ ! وهل يعقل أن تبقى تلك الفئات المحتاجة الفقيرة والعاطلة إلى أن يتم أبراز المشروع إلى حيز الوجود . وبخاصة أن هناك من هذه الفئات أرامل وكبار السن ومعاقين فيكف يتم تحويل أمثال هؤلاء إلى منتجين .؟ ! ولماذا لا تكون هذه الإعانات للفقراء والعاطلين كعلاج سريع وتسير في ذات الوقت مع الخطط المراد تنفيذها ليكون المجتمع منتجاً ولماذا ننتظر حتى يزداد الفقر توسعاً وعمقاً بين أفراد المجتمع ، وتكون البطالة كابوساً وشبحاً جاثماً على صدور الشباب بحيث يصعب علاج ذلك وقد يستحيل .
هناك نظرية جديدة استدل بها أحد مسؤولي وزارة الشؤون الاجتماعية في أن محاربة الفقر لا يكون بمنح إعانات لأنها تؤدي إلى التواكل والخمول أيضاً ، بل تكون بتحويل الأسر الفقيرة إلى أسر منتجة ، واستدل بنتائج بحثية – لا أعلم هل هي وزارته قامت بها أم جهة أخرى – أن قرود الهدا التي كانت تعتمد في غذائها على ما يقدمه لها المسافرون حين مرورهم بطريق الهدا واجهت مصيراً سيئاً ومات كثير منها بسبب قفل خط الهدى فحينما لم يعد المسافرون يمرون من هناك ولم يعد يقدموا لها الموز الأفريقي ولكونها خاملة وقاصرة في تفكيرها ولا تعرف طريق البحث عن الغذاء فكان الموت سبيلها ؟ ! فلا عزاء لها ولا نامت أعين الجبناء الذين يموتون جوعاً دون البحث عن طعام .
إنني اعتقد جازماً أن المسؤول يجب عليه وضع أولويات في عمله، فقديماً سمعنا من الآباء أمثلة كانت تفرضها عليهم بيئتهم التي يعيشون فيها، ومن أروع تلك الأمثلة التي في اعتقادي أن على كل مسؤول أن يجعله نصب عينيه، وذلك المثل يقول :
\” شوكت العين تعالج قبل شوكت القدم \” ويقال والعهد على الراوي أن مناسبة هذا المثل أن رجلاً كان حاذقاً في استخراج ما يصيب الرعاة والمزارعين من بعض الأشواك والأقذاء في أجسادهم بسبب أعمالهم في الأودية والشعاب، فبينما كان منهمكاً في استخراج شوكة من رجل أحد الوجهاء فإذا بحالة تصل إليه يشتكي صاحبها من شوكة أصابت طرف العين، فما كان منه إلا أن هرع للذي يشتكي من عينه وترك المصاب في رجله، فصاحوا به الناس كيف تترك هذا؟ ! رغم مكانته ووجاهته .؟ ! فقال : \” شوكت العين قبل شوكت الرجل \” وهذا يعني أن هذا الشخص طبق فقه الأولويات، ويا سبحان الله توصل الأجداد إلى هذه النظرية قبل أن تعرف بلادنا حملة شهادات الدكتوراه . فمن علمهم يا ترى . ! ؟ إنها الفطرة السليمة والنظرة الثاقبة والقلوب النظيفة والتعاون والتكافل، وفوق ذلك إحساس الشخص بمدى الأمانة التي يحملها، فالعين كعضو أضعف بكثير من عضو القدم الذي قد يحتمل الشوكة وأكبر منها . فهل يتراجع أصحاب تلك النظريات الحديثة إلى نظرية الأجداد ويضعون الأمور في مواضعها . ! ؟
اللهم من ولي من أمر المسلمين شيئاً فشق عليهم فأشقق عليه .
ص . ب ٩٢٩٩ جدة – ٢١٤١٣ فاكس : ٦٥٣٧٨٧٢
[ALIGN=LEFT]Sfa_ 10@ hotmail. com[/ALIGN]
التصنيف: