الربيع المصري .. و»الخروج عن النص»
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. علي عثمان مليباري[/COLOR][/ALIGN]
اشتعل الشارع المصري مجدداً وتباينت ردود أفعال النخب السياسية والثقافية فيه، بعد القرارات الأخيرة للرئيس المصري محمد مرسي وفيها \”أن القرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية نهائية ونافذة بذاتها، وغير قابلة للطعن، كما أنه لا يجوز لأية جهة أو هيئة حل الجمعية التأسيسية المكلفة بصياغة الدستور المصري الجديد أو مجلس الشورى\”.أغلب المراقبين لم يتوقع هذه القرارات المفاجئة من الرئيس مرسي، الذي وصل إلى كرسي الرئاسة عن طريق انتخابات نزيهة وحرة، كان الحكم فيها صناديق الاقتراع، ورسم الشعب المصري حينها خارطة تحقيق أهدافه وطموحاته عبر أمله في التزام الرئيس بوعوده الشعبية، وفي مقدمتها عدم الاستئثار بالسلطة منه أو من قبل حزبه ، ولكنه فاجأهم بقراراته الأخيرة كونه كان يشدد دائماً على أهمية إشراك الجميع في قرارات البلد المصيرية.
تأثير ردود الفعل كان بحجم القرارات التي تسببت في انقسام الشارع المصري بشكل لم يسبق له مثيل منذ احداث 25 يناير، وتصاعدت وتيرة التطورات بشكل درامي، بلغ ذروته باحتشاد آلاف المتظاهرين في عدد من المدن، وقيام بعضهم بحرق بعض مقار حزب الحرية والعدالة، احتجاجاً على هذه القرارات التي يرونها إعلاناً بنهاية الثورة، وإيذاناً ببداية لحقبة صعبة وفقد الرئيس عددا من مستشاريه الذين استقالوا اعتراضاً على الإعلان الدستوري، وتصاعد الهجوم عليه من قبل عدة شخصيات سياسية قوية، أمثال محمد البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي الذين عبروا عن رفضهم لهذه القرارات التي تعد في نظرهم انقلاباً كاملاً على الشرعية، وتمثل استحواذاً غاشماً على كل سلطات الدولة.لقد وصل الرئيس مرسي إلى الحكم بإسم محاربة النظام الديكتاتوري، وإرساء نظام تداول السلطة مدنياً وديموقراطياً، كما يردد دائماً، ولكنه بعد مرور نحو خمسة أشهر في الحكم، خرج المسار عن فجأة عن نص الربيع المصري، وأثبت الواقع ما كان يردده المتشككون في قدرة هذا التيار على العمل الديموقراطي، ومدى التزامه القيم والأهداف التي خرج من أجلها شباب مصر إلى ساحة التحرير وضحوا بدمائهم في سبيلها.
لقد غيرت هذه التطورات طريقة إدارة الحكم ومستوى لغة الخطاب في المشهد السياسي المصري، وهذا التغيير له تبعات عدة، أولها دخول مصر في مرحلة جديدة من مسلسل الثأر والثأر المضاد والتي تهدف إلى إضعاف الأمن وتفكيك الدولة، وإذا لم يتم التراجع عن القرارات الجديدة خلال الأيام المقبلة، فستكون مصر قد دخلت نفقاً طويلاً من الفوضى السياسية، وأنهت فصلاً قصيراً من ما وصفه البعض بالربيع الديموقراطي.حفظ الله مصر، دولة وشعباً، من كل سوء ومكروه.
كاتب وباحث أكاديمي
التصنيف: