الحياة
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أنس الدريني [/COLOR][/ALIGN]
سأبدأ من حيث انتهى الروائي الكبير يوسف إدريس في مقاله القديم (الحياة) عندما وصف ذلك المشهد الأليم بعد حادث تصادم وقع أمام عينيه على الطريق الزراعي مابين القاهرة والإسكندرية.. أوقف إدريس سيارته وراح يزاحم الأجساد المتراصة على امتداد الطريق ويشاهد السيارتين المتصادمتين بعد أن تحولتا إلى ركام ويبدو الزجاج منثورا وضابط النقطة يعد محضره وعربات الإسعاف قد وصلت وتحت الأرجل دم كثير يكاد لونه يأخذ لون الإسفلت، وقف يوسف إدريس مندهشا وفي ولهة الدهشة سكب في أذنيه أحد الواقفين كلاما يبعث بالغم : سائق هذه العربة مات وسائق هذه في حالة خطرة والجرحى نقلوا إلى المستشفى والمتوفين ستحملهم عربة الإسعاف. أخذ يلملم شيئا من الوعي متأملا حال مئات الأقارب والأصحاب والأخلاء وفلذات الأكباد وقد ذهبوا في ثانية خاطفة.
سكب على الورق من محبرة الكلام هذا القول الرفيع : قديما كان الفارق بين الحياة والموت فارق شاسع وكبير، مرض مزمن يعجز الأحياء عن علاجه نزال يستمر أياما طويلة وليالي أما اليوم فالفارق بسيط جدا مجرد سهو يحدث..طوبة على الطريق..أن يأخذ السائق باله أو لا يأخذ أن يضغط على البنزين بخفة أو بثقل .. التفاتة..سرحه صغيرة من الممكن أن تكون قد استغرقت لمحة من الوقت لتنقل المئات من عالم هم فيه أحياء لهم ما لكل الأحياء من قوة وحيوية وأمال وأولاد ومشاريع إلى جثث تحتها التراب ومن فوقها قش الأرز..تداعى لي كل هذا وأنا في اتجاهي للعمل ذات يوم على طريق المدينة وإذ بسيارتين ترتطمان في الحواجز الإسمنتية بعد أن اختل توازن إحداهما من وقع السرعة الزائدة لتتصادم مما حدث معظم السيارات السائرة على امتداد الطريق بصورة مفجعة. حمدت الله أن سلمنا وشعرت حينها بوقع الفقد وألم الفجيعة خصوصا عندما جاءت تلك الأم لترتمي في حضن ولدها بعد أن غيبه الموت..ربما كان الفارق بسيطا بين أن تنهي حياة إنسان وان تلتزم بقواعد السلامة المرورية. لكن الثمن كبير جدا إنه ثمن الإحساس بالجريمة مدى العمر عندما تلقي بنفسك إلى التهلكة.. تسرع.. تقطع إشارة.. تتعدى الحدود والأخلاقيات..في الحقيقة هناك شيء غريب أود الإشارة إليه، قد تجد البعض وقد جلس في احد المقاهي مع أحد أصدقائه بالساعات الطوال المفارقة تكمن عندما يستلم مقود سيارته حينها يشعر بقدرة قادر بأن الوقت لديه أصبح له ثمن ليبدأ في ممارسة كل أساليب التهور والطيش.
إن مأساتنا مع حوادث المرور تدعونا لإعادة النظر في أمور كثيرة.. لابد أن تتضافر الجهود في سبيل زيادة الوعي فهذا أمر ملح ولعل من التجارب التي سبقتنا إليها بعض الدول (مشاريع تدريس قواعد الأمن والسلامة المرورية في المناهج التعليمية) التي تشمل مواضيع تثقيفه عن مهارات القيادة وكيفية العبور ومواضيع عن قواعد الإسعافات الأولية و الحوادث وأسباب حدوثها. مؤكد أن المردود سيكون إيجابيا متى ما طبقت هذه الأفكار.
أتمنى أن تلتفت الجهات المعنية إلى هذا الجانب وتوليه اهتماما يواكب أهميته لنسهم في تثقيف المجتمع وبالتالي انخفاض عدد الحوادث السنوية التي يقشعر منها البدن ويذهل منها العقل.. حمانا الله وإياكم.
[email protected]
التصنيف: