الحوار الضائع عن الحال المائل

• علي محمد الحسون

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]علي محمد الحسون[/COLOR][/ALIGN]

•• كنت واياه نجلس على المركاز في أحد المقاهي في بلد \”غربي\” كان ذلك في أحد أيام الخريف أوراق الشجر تملأ الشارع الطويل ورذاذ خفيف من المطر المتساقط على زجاج المقهى يشعرنا بشيء من الارتياح.
بدأ رواد المقهى يتقاطرون مع بدايات الصباح:
يحملون في دواخلهم امالاً عراضاً كان بين ايدينا بعض صحف ذلك اليوم تحمل عناوين بارزة عن الدولار والذهب وأيهما ستكون له الجولة الأخيرة.
نظرت اليه باستغراب شديد وأنا أقول له هل رأيت؟
قال ولقد بدأت الدهشة تفترش كل وجهه.
ماذا؟
قلت هذه كبريات صحف هذا البلد واهتمامها منصب على ملاحقة أخبار ارتفاع الدولار وانخفاض الذهب وأين سيمضي كل منهما ارتفاعاً وانخفاضاً ومدى انعكاس ذلك على السوق؟ وهل يعوم اليابانيون عملتهم؟
وماذا تفعل بريطانيا تجاه الانكسار الخطير الذي يعيشه الجنيه الاسترليني؟ كأنه لا يوجد هناك قضايا أكثر اهمية من كل هذا؟
نظر الي ملياً وابتسامة خفيفة ألمحها على وجهه وبهدوء شديد اكتسبه من عمله الطويل في أروقة الدبلوماسية العربية والدولية.
قال بصوت خفيض وهو يرشف من فنجان القهوة أمامه هل تعتقد أن هذا – العالم – بكل ما يملك من مؤسسات وصحف لها سطوتها على توجيه الرأي العام ومن شبكات تلفزيون لها قدرة عجيبة على تشكيل توجهات المشاهد ووسائل اتصال مختلفة.
هل تعتقد أن تخرج اهتماماته عن هذا الذي تراه الآن.
قلت وشيء من الحماس تعكسه نبرات صوتي.
هل كل هذا هو ما يهم هؤلاء وهم أهل الفكر والحضارة؟
نظر الي نظرة غير القلق وغير الحريص على ملاحقة الاخبار كما أريد أنا فقال نكون واهمين ان نحن اعتقدنا في يوم من الأيام أن هذا العالم الذي نراه بكل حضارته التي ذكرتها حريص على أن يحل لنا قضية او يساهم في تقديم أو مساعدة خالصةِ.
ومضى يسترسل في حديثه وأنا أتابعه وحركة الشارع بدأت تشتد أكثر.
فراح يتابع قائلاً:
حتى إذا رأيت اهتماماً متزايداً بمنطقتنا أو بقضيتنا فثق ان ذلك بالدرجة الأولى يكون مرتبطاً بمدى الاستفادة التي سوف تنعكس عليهم سلباً أو ايجاباً ونحن العرب نفهم كل هذا ولكننا لا نريد أن نقتنع بكل هذا الذي نفهمه مع الِأسف.
كنت استمع اليه وأنا أنظر الى البعيد الى هناك حيث تدور رحى حرب من أشرس ما تكون الحروب ولأسباب مجهولة.
هناك حيث كل يوم تترمل سيدة وتتشرد صبية ويتيتم طفل.. وتثكل أم، هناك حرب ضروس تأكل الأخضر واليابس وتجعل القلوب أكثر تنافراً.
هناك حيث يتساءل الإنسان لماذا كل هذا علينا يدور.. ويذهب بكل الطمأنينة والهدوء؟
لماذا.. لماذا..؟!!
•• اتاني صوته هادئاً:
أين سرحت؟
قلت وشيء من قشعريرة بدأت تسري في جسمي من هول تصور ما يجري هل تعتقد ان هذا – العالم – المتحضر بكل ما يعيشه من حضارة وتقدم لا يهتز له جفن بكل هذه الدماء التي تراق في أمتي؟
ضحك بشدة على \”سذاجتي\” كما أسماها ثم راح يقول لي:
إن هذا العالم الذي تطلب منه أو تستغرب موقفه من هذه الحرب وهو يمدها بالسلاح ليمارس القتل ضد بعضهم البعض هل تعتقد انه يسعد بايقاف هذا الدمار.
أنظر ما فعل في فلسطين من دعم لقوى الظلم ضد شعب آمن شرد من دياره وأصبح يفترش التراب ويلتحف السماء تحت كل ظروف وتقلبات \”الطقس\” أنظر ما فعلته اسرائيل في لبنان وما تزال تفعله.. بل أنظر أكثر الى ما يجري في لبنان وفي غيرها هذه ليبيا وهذه العراق وغيرهما.
أنظر ما يعانيه أشقاؤنا في أفغانستان ماذا أقول لك أيضا ان ساحاتنا العربية والإسلامية مليئة بهذه الجراحات فهل تعتقد أن هذا \”العالم\” حريص على أن نعيش في سلام ننعم بخيرات بلادنا ونصيب شيئاً من نجاح في ظل سلام وارف.
قلت وقد استغرقني النظر الى البعيد عبر كثير من الصور التي تجري في منطقتنا من صراع مرير.. ومايجري في افريقيا من دمار بسبب الجوع وهذا العالم يعيش الرفاه صوراً من الخيال لا توصف.
وكأنه أراد أن ينتشلني مما أنا فيه عندما قال وهو يرتشف اخر قطرات القهوة من فنجانه.
لا تذهب بعيداً في تصوراتك وتخيلاتك فالحل لا يأتي لقضايانا من الخارج نكون ظالمين لأنفسنا وللآخرين ان نحن أعتقدنا ذلك.
أمة لا تستطيع أن تضع حلولاً لقضاياها هي أمة لا تسير على نهج سليم أراده لها خالقها وتنكبت السبل والطرق في البحث عن مسالك لها لا يمكن أن تصل الى نقطة اخر الشوط بسلام فهذا الغرب وهذا الشرق تركوا كل شيء يتعلق بالعالم الثالث بصفة عامة والعربي والاسلامي بصفة خاصة وراء ظهورهم وراحوا يمارسون هواياتهم في حرب \”النجوم\” كما أسموها.
كان يقول كل هذا ولا يأتيني منه إلا نتفاً فقلت وقد استبد بي الاستغراق.
هل قرأت اخر احصائيات الجياع في العالم؟
ضحك باشفاق عندما قال لي:
نعم هناك خمسمائة مليون انسان في العالم ينامون بدون طعام وهناك خمسون مليون إنسان في افريقيا فقط بحاجة الى المساعدة العاجلة بل تمعن هذه التقارير في فجيعة الانسان حيث تقول ان عشرين بلداً بحاجة الى المساعدات لأن قيمة الاضرار عن الجفاف بلغت بليونا ونصف البليون من الدولارات الامريكية، وان هناك حوالى عشرة ملايين انسان بدون مأوى بسبب الهجرة الاجبارية.
نظرت اليه وأنا اتمنى عليه ان يصمت فليس هناك موضع في نفسي لم يدم..
فقلت: وما هو الحل في كل هذا الذي يجري؟
قال لا حل الا ان نستلهم من هذا الدين وهذا التاريخ وهذا التراث ما يجعلنا أكثر قوة في الوقوف أمام كل هذه الاحداث الجسام.
•• كان المقهى يستقبل زبائنه الجدد ويلفظ آخرين ممن سبقوهم.. وهواء خريفي في الخارج يتلاعب بالأوراق الجافة على الرصيف كتلاعب أماني هذا الانسان المقهور جوعاً وغراء.
فقطع الصمت الذي سادنا لفترة وقال ماذا تريد ان تصل من كل هذا الذي تقوله الآن؟
قلت: هل تعتقد أن كل ما أريده من هذا الحوار ممكن الحدوث.
قال: قطعاً.. لا فأنا أعرف أن حوارنا في الوقت الضائع على طريقة الرياضيين.
قلت: لكن حكم \”المباراة\” لا يجعله ضائعاً أنه يحتسبه ويضيفه.
قال: لا عليك ان الحال المائل لا يمكن أن يصلحه حوار في الوقت الضائع حتى لو كان حكم المباراة يحتسب هذا الوقت.
قلت: لنذهب.. فهذا الفصل يبدو أنه الفصل المسيطر علينا دائماً.
قال: تقصد فصل الخريف.
قلت: نعم.
قال: ألا ترى أن الذي يعقبه دائماً الربيع فكن متفائلاً..
ومضى كل منا في سبيل.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *