الحلقة الثالثة عشرة والأخيرة .. العـــولمة ووعــد اللـــه الحــق

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد كامل الخجا[/COLOR][/ALIGN]

في الحلقات السابقة استشهدت بنبوءة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليهم وسلم التي قال فيها: «زُوِيَتْ لي الأرض مشرقها ومغربها حتى رأيت هذا الدين يدرك كل بيت حجر ووبر فيها» ولهذا الحديث «النبوءة» أكثر من رواية وقد صدَّقَ الله سبحانه عز وجل تلك النبوءة الشريفة.. بقوله تعالى في القرآن الكريم: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).. (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) صدق الله العظيم.. وقد وردت في القرآن الكريم تصديقاً لنبوءته صلى الله عليه وسلم تلك آيات أخرى.. وتساءلت في الحلقات السابقة هل العولمة اليوم بما هي عليه من وسائل الاتصال والتقريب في عالمنا الذي نعايشه حتى غدت الدنيا في إطار قرية واحدة؟؟ لربما يتحقق فيها وعده الحق فنجسد نحن أتباعه نبوءة خاتم أنبياء الله ورسله صلى الله عليهم وسلم وقد ارتقينا على مستوى الالتزام الكامل بالهدى ودين الحق ليمكننا الله تعالى من قيادة مسيرة العولمة اليوم.. فيسود الدين الحق في قالب الواقع والحقيقة ويظهر الإسلام على الدين كله.. وهو وعده الحق عز وجل.. وللإجابة على هذا السؤال المصيري للإنسانية كتبت هذه الدراسة مستلهماً التوفيق من الله.. وهذه هي الحلقة الثالثة عشرة والأخيرة من دراستي التي أطرحها للرأي العام:
(الإسلام.. خلاص الإنسان من مآسيه..)

وإنسان القرن الواحد والعشرين اليوم يريد العقيدة الواضحة البسيطة السمحة التي لا تحجر على حرية الفرد، والتي لا تضع القيود والأغلال في عنق الإنسان.. والتي لا تحد من نشاطه وطموحه وأمله وعزيمته.. والإسلام هو أعظم الأديان التي تعطي للفرد حرية الانطلاق إلى آفاق أرحب، والسعي إلى حدود بعيدة ممتدة لا يحصرها عقل، ولا يستطيع الوصول إلى آفاقها إنسان، وهو الدين السمح الذي يعترف للأديان السماوية المنزلة من السماء بحرية العقيدة والعبادة فلا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، وهو دين البساطة، ودين الفطرة، ودين الإخاء والحب، دين لا يتنكر لعواطف إنسان ولا لمشاعره ولا لأحاسيسه العامة والخاصة أبدا، وله حول كل مشكلة حل، وفي كل معضلة رأي إنه دين البناء المثمر لشرائح المجتمعات لكل أجناسها وألوانها وبلدانها في مسيرة عملها تسد ثغرات سلبياته معارضة بناءة حكيمة يحث عليها قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) «104». صدق الله العظيم. إنه دين الحياتين السعيدتين أولاها وآخرتها وهو يجعل المرأة شريكة للرجل، زوجاً وأماً وجدة واختاً وعمة وخالة، ولا يجعل منها خليلة ولا عشيقة أبداً ويمنحها كل حقوقها الدينية والروحية والاجتماعية والمالية.
وحرّم -على الجملة- كل ما يتنافى مع الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، لأن الدين هو فطرة الله وهو صبغته، ومن أحسن من الله صبغة وهو كل ما وافق الروح والنفس في عقلها وغريزتها.. تزكيها شريعته من قول أو عمل أو نية!.. وضمن إلهام فجورها وتقواها.. وفلاح من زكاها..
وإنسان القرن الجديد يشمئز لمآسي التفرقة العنصرية وينكرها، ولكنه عاجز عن محاربتها، ضعيف الرأي أمام دعاة هذه التفرقة والمتعاملين بها، وهو يريد القضاء عليها، ولكنه يعجز عن تحقيق أمله، وبلوغ هدفه، ولو اعتنق الإسلام لقضى على هذه التفرقة العنصرية قضاءً مبرماً دون أي جهد أو أية مشقة. وإذا كانت هناك شوائب عرقية أو قبلية احاطت اتباع الاسلام أو اكتنفت بعض الجاهلين فهي في فترات طارئة بعيدة عن جوهره وحقيقته وسحابة صيف سرعان ما تنقشع.
وإنسان القرن الحادي والعشرين يقف اليوم عاجزاً عن محاربة الفقر ونشر الرخاء بين الناس، على تعدد مذاهب الاقتصاد في العالم، وعلى كثرة منابع الثروة التي اهتدى اليها، وكشف مجاهلها واسرارها.. وقد سبق الاسلام فحارب الفقر بمنطقه الواضح العادل البسيط الانساني دون اثارة لحروب الطبقات التي تثيرها بعض المذاهب اليوم.. ولو ان انسان اليوم اهتدى بنور الاسلام لحل جميع مشكلات الانسان الاقتصادية، ولتغلب على كل مشكلات الفقر، ولاذاع الرخاء في العالم بين الناس والجماعات والشعوب.
وانسان اليوم يقف عاجزاً حيال مشكلة الامية المنتشرة في العالم، لا يستطيع لها تصريفاً.. وقد صنع الاسلام المعجزة من أجل القضاء على مشكلات الأمية، فأمر بنشر وطلب العلم ورغبه بين كافة الناس: الرجال والنساء، الصغار والكبار على السواء.. ولو قد آمن العالم كله بالاسلام لحل مشكلته المتجمسة في الجهل والأمية حلاً جذرياً عاجلاً على خير ما يتمناه..
وانسان اليوم يقف عاجزاً حائراً امام مشكلات الحياة والتعامل مع الآخرين افراداً ومجتمعات وكيانات.. لا يجد قلبه سبيلاً الى الطمأنينة ولا إلى الأمن ولا الى الهدوء الروحي.. وقد جاء الاسلام فمنح الإنسان استقراره وطمأنينته وهدوءه، وكل الأمن، والصفاء الروحي الذي ينشده.. ولو ان الانسانية آمنت اليوم بالاسلام وطبقت شريعته لمحت عن طريقها وازالت من امامها مشكلات التعايش مع الآخر وازماتها تجاه الانسان المعاصر.
ان الانسانية سائرة الى الاسلام لانه الحل الوحيد امامها لكل مشكلات الحياة المعاصرة، تقول ألمانية أسلمت وأسمت نفسها فاطمة سي لامير: لقد جاء الاسلام كما يأتي النبع الدافئ الى الارض الباردة بعد الشتاء المظلم، فأدفأ روحي وسربلني بثوب من تعاليمه القشيبة، فما أوضح تعاليم الاسلام وأعذبها، وما أعظم منطقها، أن الاسلام دين عصري صالح للتطبيق في عالمنا المعاصر كما كان في عصوره الزاهية..
وليست كلمات هذه الالمانية جديدة بالنسبة لنا نحن المسلمين الذين نؤمن بأن الاسلام صالح لكل زمان ومكان.
إن الاسلام دين العصر وكل عصر وهو دين انزله الله الرحمن الخبير البصير بخلقه كل زمان ومكان متقدم متجدد بكل معنى الكلمة، وهو دين الانسان الذي يتطلع اليوم ببصره الى السماء حائرا ينشد الهدى والنور والرحمة والطمأنينة والخلاص فلا يجدها إلا في الاسلام العظيم، منبعه القرآن الكريم، وفي تعاليم الحنيفة البيضاء، وفي مبادئ الشريعة السمحاء: (ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون).. انه الدين لا تبديل فيه ولا تحريف منذ ان انزل حفظه الله سبحانه بقدرته الحكيمة وصانه في ذخرية الأغلى والأحلى من لباناته.. واذا كان هناك من الذين يظن انهم يجسدون الاسلام الحق ويظهرون في واقعهم بما ليس في الاسلام فانما هم قد اعتورتهم جاهلية عادات وتقاليد توارثوها وتبنوها وعملوا بها بلا تدبر ولا تبصر فباتوا وهم لسوا بكثيرين احوج ما يكونون الى العودة من جديد الى صبغته الحقة ومن احسن من الله صبغة.. عليهم أن يعودوا الى القرآن الحكيم فيدبروه ويعملوا به ويتأسون بسنة رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليكونوا بحق من اتباعه الصادقين وعنواناً واضحاً صادقاً للمسلمين العاملين بالاسلام الحق.. يجسدون الحق والعدل والحب والخير والسلام والخلاص من الآلام ليؤكدوا للعالمين أن دينهم انما هو دين الرحمة للعالمين الدين الذي يبني المثالية للانسان والخير لخلق الله.. ويجسد السعادة في الدارين.. اولاها.. وآخرتها (يا ايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم) صدق الله العظيم.
إن تعاليم الاسلام.. انما هي التعاليم المجسدة لكل ركائز مثالية الانسان الكامل لنزول الأدران التي افسدت حياة الانسان وتنتهي الصراعات أيا كانت تلك الصراعات بين الأفراد والأفراد وبين المجتمعات والمجتمعات وبين الكيانات والكيانات.. وبذلك تكون العولمة اكتمالاً لمثالية الإنسان تحت ظل تعاليم الله سبحانه في الإسلام فتلتقي الروح بالمادة وينشأ مجتمع الإنسان في الأرض التي جعله الله سبحانه عليها خليفة لتكون منتجعاً له.. منتجعاً يسود فيه مناخ الإخاء الصادق والسلام العادل تهيئه تقنية العولمة بأساليبها السريعة في توقيتها والسريعة في توزيع انتشارها في سائر الأرض معمورة بالحق والعدل وضاربة بقوة على رعونة المفسدين الأشرار فيها بسلطان التربية والعلاج النفسي والتوعية الراشدة الحكيمة أو العقاب الصارم الذي يحمل في طياته أعتى العبر وأرسخها لكل نفس تتغلب على غرائزها نوايا الشر للآخرين.. وصدق الله العظيم خير القائلين الحكيم الخبير العليم البصير بخلقه إذ يقول سبحانه عز وجل (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (15) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم).. وقوله سبحانه عز وجل (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).. وقوله سبحانه عز وجل (ومن لا يُجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين (32) وقوله سبحانه عز وجل (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون (83). صدق الله العظيم.

السوبرمان والإسلام
نشأت في بريطانيا ثورة فكرية جامحة لفكرة «السوبرمان».. الإنسان المثالي، الجديد المنتظر.. تبنتها «الجمعية البريطانية الاشتراكية الفابية» التي كان يرأسها الفيلسوف البريطاني الشهير «برنادشو» وهو مبتكر وصاحب فكرة «السوبرمان»!! وقد وضعت الجمعية هدفها بالدعوة إلى «السوبرمان» بين البشرية.. وهي تعني «الإنسان المثالي» وأن العالم لابد وأن يتطور فيه الإنسان في حياته الروحية والمادية فيحب أخاه كما يحب نفسه.. ويحب له.. كما يحب لها.. وأن يعامل الإنسان أخاه الإنسان.. كما يحب أن يعامل به.. ولو وصل به حسن المشاعر هذا في تعامله كإنسان مع أخيه الإنسان إلى حد إيثاره على نفسه.
ومع مضي الزمن شاعت فكرة «السوبرمان» وانتشرت وراجت.. إلا أنها مع سريانها بين شرائح المجتمعات في سائر الدول شابها مع الأسف ولوثها شوائب شائبة تباينت مع مفاهيم المثالية التي أرادها برنادشو ورفاقه فانقلبت إلى فكرة معناها.. هو أن «السوبرمان» إنما هو «إنسان الخوارق» اللاطبيعية السرابية الواهمة الذي تتوفر في بدنه قوى خفية.. قادرة على امتلاك كل شيء.. بأساليب القوة الخارقة.. من ضرب الخيال مثلاً في أصبع الإبهام لديه سلاح ناري ذري للقتل الجماعي.. متى حركه بإشارة إلى سفينة حربية.. أو طائرة نقالة.. أو مدرعة ضخمة.. أو قلعة فولاذية.. فإنه يذيبها بمن فيها من خلق وعتاد.. ولا يبقى لها ظل أو أثر.. وكثير من تلك الصور الخيالية الماجنة.. ذاعت وانتشرت بتلك الأفكار المجنونة عن طريق إنتاج أفلام كرتونية مسلسلة للأطفال للتسلية.. وتوسعة مدارك الطفل في عالم خيال الاختراعات الخارقة.
أسموها السوبرمان وقد سادت في المعمورة بمفاهيمها الجنونية الخاصة ومضامينها.. إن هذه الفكرة التي لبسها كساء يتناقض مع سمو فكرة «السوبرمان» الرجل المثالي الداعي للحب والسلام والقيم.. عند «برنادشو» ومن معه في الجمعية البريطانية فكرة «السوبرمان» عند برنادشو ومن آمن بها وسار على منواله يدعو إلى ما رمى إليه.. في نسج معاني المثالية الحقة مجسدة في إنسان المستقبل المنشود المثالي في مسيرته الحياتية في سائر المجتمعات بكل ما يحمله من طبائع شفافة وأخلاق حميدة تنشئ عالماً إنسانياً مشبعاً بروح الحب والإيثار والتعاون المخلص بين سائر أفراده.. تلك هي أحلام «برنادشو» ومن معه.. جاهدوا.. وتمنوا.. وجودها.. إلا أنهم لم يسلكوا الأسلوب العملي الحق لتحقيق حلم.. «السوبرمان» المبتغى.. والذي يعسكر بجمال إشراقه عقولهم.. متلولباً في أذهانهم.. ولو قدرت لهم المعرفة.. بما جاءت به نفحات رحمات القرآن الحكيم وسنة نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأدركوا تماماً كيف تبني المجتمعات المثالية بدين الإسلام.. وما هي عليه ماهية المسلم المؤمن في حياتيه الأولى والآخرة.. بما حباه الله سبحانه وتعالى أروع وأسمى من «السوبرمان» الذي بولادته حلموا «برنادشو ومن معه»!!!…
وللتصور الإسلامي.. للآخرة أثره في الاتجاهات الروحية.. والسلوكية.. عند الإنسان.. (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145).
فما أقصر الحياة الدنيا.. وما أضيقها حتى تحس النفس الإنسانية.. أنها لا تتصل بحياة سواها.. ولا تطمع في غير أنفاس.. وساعات.. على الأرض.. محدودة.. معدودة.
إن الإيمان بالحياة الأخرى.. نعمة.. نعمة.. يفيضها.. الايمان.. على القلب.. نعمة يهبها الله سبحانه.. للفرد الفاني.. المحدود العمر.. الواسع الأمل!!
(فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ).. (البقرة: 200)
فالإيمان باليوم الآخر.. فوق أنه إيمان بقول الله عز وجل المطلق.. وجزاءه.. الأوفى.. هو ذاته دلالة على فيض النفس بالحيوية.. وعلى امتلائها بالحياة.. لا يقف عند حدود الأرض.. إنما يتجاوزها إلى البقاء المطلق الذي لايعلم نهايته ومداه إلا الله العليم.. وبذلك يمضي الإنسان إلى المرتقى السامي الذي يتجه صاعداً إلى جوار الله عز وجل!
والاعتقاد بالآخرة يؤدي.. دوره الأساسي في إفاضة السلام على روح وقلب المؤمن وعالمه.. ونفي القلق والسخط والقنوط.
إن الحساب الختامي ليس في هذه الدنيا.. والجزاء الأعظم.. ليس في هذه الدنيا..
إن الحساب الختامي هناك في الدار الآخرة.. والعدالة المطلقة.. مضمونة في هذا الحساب.. فلا ندم على ما فعله من خير.. والجهاد في صنع العمل الحسن.. إذا لم يتحقق التقدير له في الدنيا أم لم يلق جزاءه.. ولم ينل ما يستحقه.. إن الله سبحانه وتعالى سوف يوفيك بميزانه.. فالآخرة فيها العطاء.. وفيها المثوبة إن لم تعطاها في الدنيا أو لم تنل سوى نزر يسير مما تستحقه قال تعالى: (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) صدق الله العظيم (الأعلى: 16 – 19).
وهذا التصور من شأنه أن يفيض السلام على مجال السباق والمنافسة.. وأن يخفف الاحساس الذي ينطلق من الشعور بأن الفرصة الوحيدة هي فرصة هذا العمر القصير المحدود!
والقرآن الحكيم يلمس القلب.. لمسة قوية.. اذ يجعلنا ندرك اننا مستخلفين من الله سبحانه فيما منحنا اياه.. كما منح من قبلنا الذين سبقونا.. وإنه بدوره زائل عناد ما تفضل الله الكريم علينا به فمنحنا إياه.. يقول سبحانه (ثم جعلناكم خلائف في الارض من بعدهم لننظر كيف تعملون) صدق الله العظيم (يونس: 14).
إنها أيام.. يقضيها الانسان فيما هو مستخلف عليه من الله سبحانه.. يمتحننا بما يكون منا.. ويبتلينا (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور). الملك: 2 وهو المحاسب سبحانه لنا على ما نكسب بعد بقاء فيه قليل.. في دنيانا.. دائم باقي في آخرتنا.. إن هذا التصور الذي ينشئه الايمان في القلب البشري فوق انه يرى الحقيقة.. فلا تخدعها الخدع.. تصور يثير في القلب يقظة وحساسية.. وتقوى.. وخشية من العليم البصير.. هو صمام امن المؤمن.. وصمام امن المجتمع الذي يعيش فيه.
والاعتقاد باليوم الآخر ضروري لاكتمال الشعور.. بان وراء الحياة التي نحياها حكمة.. وان الخير الذي ننعم فيه.. في دنيانا.. تأتي بعده نقلة.. من الحياة التي نحياها بأمر الله.. ومن ثم لابد من حياة.. الجزاء فيها مضمون.. ان العالم الآخر.. هو الذي تصل فيه الحياة الى الكمال المقدر.. لانه الحافز على اصلاح حياتنا الدنيا وانمائها.. وفي ذواتنا.. والتعامل مع الآخر كما نحب.. ان نعامل.. وان نحب للآخر كما نحب لانفسنا.. واليقين بالآخرة هو مفرق الطرق بين من يعيش بين جدران الحس المغلقة.. ومن يعيش في الوجود المديد الرحيب.. بين من يشعر ان في حياته على الأرض هي كل ما له في هذا الوجود.. ومن يشعر ان حياته على الأرض ابتلاء يمهد للجزاء.. وان الحياة الحقيقية انما هي هنالك وراء هذا الحيز الصغير المحدود..
قال تعالى: (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً) صدق الله العظيم. وكل صفة من هذه الصفات ذات قيمة في الحياة الانسانية ومن ثم كانت هي صفة من صفات المؤمنين (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) صدق الله العظيم.
وإن اليقين بالآخرة هو الضمان ليقظة القلب وتطلعه الى ما عند الله عز وجل.. واستعلائه على كل ما فوق الأرض.. وترفعه على متاع الدنيا.. ومراقبة الله سبحانه في السر والعلن وفي الدقيق والجليل في ما ينسب اليه ويصدر عنه ويرد اليه.. وبذلك يصل الى درجة الاحسان لان الله عز وجل يراه.. فان لم يكن.. رآه فهو يراه سبحانه (إن المتقين في ظلال وعيون (41) وفواكه مما يشتهون (42) كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعلمون (43) إنا كذلك نجزي المحسنين) (44) صدق الله العظيم.
مسك الختام

(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) صدق الله العظيم.
«والحمدلله رب العالمين من قبل ومن بعد».

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *