الحج فضلٌ من الله في الدنيا ورضوانٌ في الآخرة
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]ياســين الأســطل[/COLOR][/ALIGN]
الحج هو الركنُ الخامسُ من أركان الإسلام، كما أنه بابٌ من أبواب الخير عظيم، وهو سوقٌ رابحٌ للأعمال الصالحات، تكفل سعادة الدنيا والآخرة، إذ إن الحج إنما هو منهاجٌ عمليٌّ للعبودية الكاملة لله عز وجل، والله سبحانه وحده المستحق للعبادة سواءً عبادة القلب وعبادة الجوارح، التي هي التصديق العملي لكلمة التوحيد، ومما يتملك قلب الحاج في الحج الإخباتُ والإنابةُ والتوكلُ، وصدق اللُّجْئ، حيث ينفرد الحاج عن أهله وولده، ويخرج من ماله وبلده، أشعثَ أغبرَ، محرماً ملبياً الأمر الجليل من الله سبحانه لنبيه أبينا إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم، (وأذن في الناس بالحج)، ولهذا ترى الحاج مقبلاً بقلبه وقالَبه على ربه متعلقاً بتلك الديار، ففيها البيتُ والحرم، وفيها المسعى وزمزم، وفيها الركن والمقام، وفيها المشعر الحرام، وكذلك فيها الموقفُ وعرفات، وأما منى ففيها المنحرُ والمبيتُ والأكل والشربُ ثم َّالبعال، وبهذا يتم للحاج كريم المنالُ لعزيز النوال، في أيامٍ معدودات، وليالٍ شريفات، فَحُقَّ للمُشَمِّرِ بالاستعداد للحج تشميرُه، ووجب لمن لها فسها على أخيه تذكيرُه، فإن المؤمن بأخيه سعيدٌ وقوي، وهو وحده ضعيفٌ وشقي، وفيما صح من الحديث عن أبي موسى الأشعري عند البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: \”إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ\”.
\” ومصداقه قول العظيم الجليل سبحانه في سورة العصر العظيمة الجليلة: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}.
أيها المسلمون:
من ابتغى من الحجاج رزقاً أو حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة من فضل ربه فلا جُناح عليه فقد قال تعالى في سورة البقرة: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}، وقال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة، في مصنفه:
حدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ سُوقَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: (مَا أَتَى هَذَا الْبَيْتَ طَالِبٌ حَاجَةً لِدِينٍ، أَوْ دُنْيَا، إِلاَّ رَجَعَ بِحَاجَتِهِ).
وفي قوله سبحانه في سورة المائدة آية (2): {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا} قال الإمام عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: (… من قصد هذا البيت الحرام، وقصده فضل الله بالتجارة والمكاسب المباحة، أو قصده رضوان الله بحجه وعمرته والطواف به، والصلاة، وغيرها من أنواع العبادات، فلا تتعرضوا له بسوء، ولا تهينوه، بل أكرموه، وعظموا الوافدين الزائرين لبيت ربكم، ودخل في هذا الأمر الأمرُ بتأمين الطرق الموصلة إلى بيت الله وجعل القاصدين له مطمئنين مستريحين، غير خائفين على أنفسهم من القتل فما دونه، ولا على أموالهم من المكس والنهب ونحو ذلك) اهـ.
من هنا يتبين لنا اهتمام السلف العظيم واحتفالهم بالحج، فقد كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن مسائل الحج والحجيج ومنها ما كان من مسائل لباس الإحرام للحجاج المحرمين.
التصنيف: