[ALIGN=LEFT]شهوان بن عبد الرحمن الزهراني[/ALIGN]

بعض الناس يظنون أن الاهتمام بالأبناء له وقت محدد ينتهي فيه ، وحد معين يتوقف عنده ، وهذا الظن ليس له أي أساس من الصحة ، وإنما يندرج ضمن دائرة الوهم أكثر منه وقوعاً في محيط الظن . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فهو منهج لا يقره الشرع لأنه منهج الأنعام والوحوش ، ولهذا حينما سار عليه الغرب تفككت العلاقات وتبددت صلة الرحم وعاشوا كالأنعام بل هم أضل ، حينما حددوا سناً معيناً تنتهي مسؤولية الأب ورقابته وإشرافه على أبنائه ذكوراً وإناثاً.
من الثابت عقلاً وشرعاً إن الاهتمام بالأبناء ليس له وقت ينتهي فيه ولا حد يتوقف عنده ، بل يستمر فكثير من الآباء يعمل ويدكُّ ويتعب من أجل توفير حياة كريمةلأبنائه بعد وفاته فيكون اهتمامه بشؤونهم حتى آخر نفس في حياته ، بل أن الاهتمام بهم يستمر حتى بعد الموت فتجد الأب في كثير من الحالات يدون في وصيته أن يكون الأخوة متعاضدين ومتعاونين ومتماسكين تجنباً لعدم وقوع خلاف بينهم ، وهذا هو الأمر السائد والطبيعي ، فالخوف عليهم أمر فطري وطبعي ، على أنه يجب أن لا يتعدى حدود معينة ، وأن يتقبل الإنسان قضاء الله وقدره فيهم.
ذكر لي أحد الأصدقاء أن زميلاً له في العمل له كان يتحدث عن أبنائه كثيراً في مناسبة وغير مناسبة ، فيذكر أنهم في آخر سنة من الجامعة وأنه ستنتهي مسؤوليته عنهم والاهتمام بشؤونهم بمجرد تخرجهم من الجامعة ، وبعد ذلك فلا يعنيه من أمورهم شيئاً لأن تخصصاتهم الدراسية مطلوبة في سوق العمل ، وكان حديثه عن أبنائه يبعث على الاستفزاز ، لأنه بمثل هذه الحديث يعطي لنفسه ميزة عن الآخرين حينما يتحدثون عن همومهم بشأن أبنائهم ومستقبلهم الدراسي ومعدلاتهم وقبولهم في الجامعة وتوظيفهم وفتح بيوت أسرية لهم ، إلى غير ذلك من الهموم التي يحملها عادة الآباء بشأن الأبناء . وأضاف محدثي أنه كان يحاول أن يثني صديقه عن ذلك الوهم الذي يعيش في دائرته ، إلا أنه يكابر ويتوهم أن دوره في الحياة ومسؤوليته عن أبنائه والاهتمام بهم ينتهي بمجرد تخرجهم من الجامعة وتوظيفهم .
تخرج الأبناء من الجامعة فحفيت قدماه وجفّ ريقه وتعب لسانه وهو يتوسط لهم في الوظيفة ، وحينما تم التعيين بدأت بعض المشاكل في العمل بين بعض أبنائه وبعض زملائهم وكذلك الرؤساء فأخذ يتوسط لحلها ، فانتهى الأمر إلى أن تركوا العمل والبحث عن عمل آخر أقل منه أماناً واستقراراً . وبدأ البحث عن الزواج وما أدراك ما الزواج ، ثم رزق الله بعضهم بذرية فزادت مسؤوليته تجاههم فهذا خارج المدينة في مهمة عمل وابنه يحتاج للطبيب والثاني بينه وبين زوجته بعض الخلافات وتحتاج إلى تدخل لحل ذلك الخلاف، وهذا لم يستطع أن يوفر قيمة السيارة ويحتاج إلى كفيل لشراء سيارة جديدة كل هذه المشاكل بعد تخرجهم من الجامعة.
وفي مجلس من المجالس كان يتحدث عن بعض مشاكل الأبناء التي تواجهه فما كان من صديق ذلك إلا ان قال : الم أقل لك يوماً ما أن هموم الأبناء لا تقف عند حد ولا تنتهي عند زمن . قال كنت أظن أنه بمجرد تخرجهم من الجامعة سيتوقف همهم وتزول مشاكلهم وما كنت أدري أن هموم الأبناء تزداد كلما تقدموا في العمر.
شخصياً أذكر أن والدي – أطال الله في عمره في طاعة الله وعبادته – كان يردد دائماً أنه يخاف على أبنه البكر أكثر من خوفه على أصغر أبنائه الذي لم يتجاوز عشر سنوات بعد. علماً أن أبنه البكر آنذاك يبلغ من العمر أكثر من خمسين عاماً وله من الأولاد والعقار والمال والجاه والمكانة ما تقر به العين – ولكنه كان يعلل هذا الخوف أن أي سقطة أو هفوة أو مشكلة أو خسارة تحدث للكبير تكون كبيرة وعلاجها قد يصعب بينما الصغير أخطائه وهفواته ومشاكله تكون صغيرة لا تتعدى في غالبها حدود المنزل ويسهل تقبلها وحلها . وبتدقيق النظر في هذا القول نجد أنه يتفق والواقع ويدل على عمق الفكر وبُعد النظر، فكلما كبر المرء كبرت في نفس الأب مشاكله وهمومه معه .
اللهم أحفظ أبناءنا من كل شر ووفقهم لما تحبه وترضاه إنك ولي ذلك والقادر عليه .
ص ب 14873 جدة 21434
فاكس : 6534238

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *