الانعتاق من اللاحدود

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]حصة العوضي[/COLOR][/ALIGN]

في لحظة ما, تشعر أن الكون من حولك أصبح غير جدير بملاحظته أو ملاحقته ليفشي إليك بأسراره الكبرى التي لا يمكن لنا أن نعرفها أبدًا, في لحظات أخرى, يتراءَى لك كل ذلك الفكر الذي يتمخض عنه خيالك وانعتاقك من الواقع الذي يجري حولك بأسرع من لمح البصر, وكأنه مجرد نقطة فوق السطر, في عمق ذلك الخضم الواسع جدًا, الذي لا حدود له من هذا الكون الكبير جدًا جدًا جدًا.هل تصوَّرت في لحظة ما, أنك تسابق الزمن , وترحل بسرعة السنة الضوئية, لتسكن فوق نجمة مطفأة الوهج والسعير, ولتبادلها قصصك وحكاياتك عن هذا الكون اللامنتهي, وعن أفكارك ومشاعرك التي تتحدى هذا الكون اللانهاية له, فأنت, وأفكارك ومشاعرك تعيشون في مجرة فكرية خانقة, بها الكثير من المتاهات التي لا تعرفون إلى أين يمكنها أن توصلكم أو تلقي بكم, فأنتم وهذه الأفكار الحانقة عليكم وعلى اتجاهاتكم أحيانًا, لا يمكنكم التفريق بين الليل والنهار, بين العتمة والنور, بين الحب واللاحب, بين الواقع والخيال.
إنها تلك الأفكار التي تسابقكم قبل أن تسابق أي مفهوم موجود فوق سطح الأذهان الغافية عنكم وعن أطماعكم الذهنية المسافرة إلى لا مكان, في ظل الوقت اللامحدود ,والجوع الذي لا يعرف الشبع أبدًا, والرغبات التي تطاول المستحيل, وتحول تلك النجوم الدائبة في السعي والدوران حول مساراتها, إلى مجرد نقط ورموز نسطر بها أوراقنا ومعالمنا الفكرية المتدفقة أحيانًا كشلالات الأرض المنحدرة دون توقف, أو أنها تصبح في لحظات ما, وما أكثر هذه اللحظات, إلى صحراء جافة خالية من الروح والحياة التي تتطلبها الأجساد والعقول لتنمو وتحيا وتتناسل بالكلمات والخيالات اللاحدود لها.هل فكر أحدكم يومًا بتحويل تلك الملاحظات اللامتناهية إلى حقيقة واقعة يمكن للآخرين رؤيتها بكل العيون المبصرة,؟؟ أعتقد أن الكثيرين من البشر قد طبقوا ذلك عمليًا, ولم ينتظرونا لنطرح هذا التساؤل المتأخر عن زمنه وواقعه, فما حولنا من مبتكرات وآلات صغيرة ودقيقة, وحتى تلك المركبات التي تصل الأرض بالعالم الفضائي, وتلك التكنولوجيا التي لا نعرف عنها إلا ما يصلنا فقط وما تفرج عنه الشركات التجارية الكبرى , ليحط بين أيدينا وفي بيوتنا, وبين أقدامنا وفي شوارعنا وفوق رؤوسنا وفي أسماعنا, كل ذلك وغيره كان مجرد أفكار وخيالات لا منطقية, حاول بها أصحابها أن ينطلقوا بنا من عوالمنا المحدودة, إلى العوالم الأخرى البعيدة التي لا نعرف عنها شيئًا, ولا يمكننا التنبؤ بها وبوجودها في هذا الكون الكبير,موجات أثيرية, وترددات اتصالية, وشفرات غريبة نطلقها عبر الأرض ,وأشعة غير مرئية, وأقطاب مختلفة الاتجاه, تتجاذب مع بعضها البعض, لتولد لنا كل أنواع التكنولوجيا الحديثة التي نحظى بها اليوم, والتي كانت ذات ليلة أو ذات لحظة, مجرد أفكار ذهنية خارجة عن سيطرة الفرد , وعن رؤى المجتمعات التي نعيش فيها, والتي كانت مخولة بإعدام كل الخارجين على نطاق الرؤى الواقعية, الذين يحاولون التحليق بأفكارهم وخيالاتهم عبر الكون الذي لا حدود له,فمنذ أن تجرع سقراط قارورة السم, بأمر من السلطات العليا, والعالم لا يكف عن الدوران, ولا يكف عن إخبارنا بأن الكثيرين سوف يلقون نفس النهاية الفظيعة, قبل أن تتحرر الأفكار من الليل الدامس الذي كان يجد له مرتعًا فوق الأفئدة والعيون المغمضة عن المعرفة والانطلاق. سنوات وعقود كثيرة منها, بل هي قرون كثيرة مرت قبل أن يتفهم الآخرون أن هذه العقول الصغيرة, والمخبأة تحت ذلك الغطاء العظمي, هي أكبر بكثير من ذلك الكون الكبير الذي يحدها ويحيطها بالتساؤل والدهشة, ومحاولة الانعتاق من مكانها لرؤية الواقع الحقيقي واللانهائي على أصوله وحقيقته, ولأنه لا يكفّ عن التحليق والانطلاق, فنحن لا نزال مع كل ما لدينا الآن, مجرد قطرة في بحر الكون الكبير جدًا جدًا جدًا, ولا ندري كم من الوقت سنحتاج لنكمل قطرة أخرى في بحار هذه الحياة.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *