الإصلاح المُعلَّب

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد عزام [/COLOR][/ALIGN]

مع إطلالة كل شمس تخرج صحافة القاهرة بمقال لكاتب نخبوي يروج لتجربة إصلاحية قرأ عنها واقتنع بها ويرى أنها الأفضل لحل مشاكل مصر. تراوحت هذه التجارب بين الهندية والماليزية والبرتغالية والتركية التي تلقى رواجا كبيرا وأخيرا التشيكية. المشكلة أن الكثير من هؤلاء الكتاب كثيرا ما أكدوا على الاستقلال الوطني وخصوصية الحالة المصرية في مرحلة ما قبل الثورة, حتى إنهم انتفضوا ضد مرشد الإخوان السابق محمد مهدي عاكف عندما قال إنه لا يمانع في حاكم ماليزي لمصر في إطار الفكرة الإسلامية الجامعة التي لا تنتصر لعرق ولا لشعب. لكن عندما حدثت الثورة غيرت في المشهد المصري بكل جوانبه مثلما غيرت في أفكار من يصفون أنفسهم أو تصفهم بعض وسائل إعلام تعاني تضارب المصالح بأنهم نخبة مصر القادرون على حل مشاكلها والنهوض بها من أزمتها فتبارى هؤلاء في جلب تجارب مستوردة لا تمت للواقع المصري بصلة، بل حاول بعضهم أخذ أسوأ ما في التجارب الأخرى كالتركية مثلا, مثل تدخل الجيش في السياسة ومحاولة وضعه في الدستور المزمع كتابته بعد الانتخابات البرلمانية.
لهؤلاء أقول إن الشعب المصري لا يحتاج إلى تجارب إصلاحية معلبة نجحت في بلدانها. ففي السابق روَّجتم لإصلاحات صندوق النقد الدولي والتي انتهت بالقضاء على قاعدة مصر الصناعية وإغراقها بالديون وهو ما رفضه إصلاحيو ماليزيا مثلا لعدم قناعتهم بأن الإصلاحات التي تصلح في دولة ما يجوز تطبيقها في كل دول العالم ولكل بلد وشعب خصوصية تستدعي تجربة خاصة به, لكنكم لم تنتقدو إلى الآن ما دافعتم عنه في السابق. وإذا عدتم للتاريخ ستجدون أن نهضة مصر في العصر الحديث لم تتحقق بتجارب أخرى، بل سافر أبناؤها في عصر محمد علي إلى الخارج للتعلم وعادوا إلى مصر ليبدؤوا في العمل على تأسيس الدولة، وهو ما فعلته النهضة اليابانية.
أشعر بأن الترويج لهذه التجارب يعبر عن كسل فكري في البدء بدراسة الواقع المصري بكل مكوناته وطوائفه وأعراقه وتحديد مشاكلها ووضع حلول مستمدة من البيئة والاستفادة من الخبرات المحلية والخارجية المتكدسة, والتي لا تجد من يعيرها اهتماما في بلدها ويلجأ إليها الآخرون لتبني وتُشيِّد وتُعلِّم. كما يؤدي هذا الترويج إلى استمرار التناحر بين ناقل كل تجربة, أو على الأقل نستمر في الحديث والحديث والحديث إلى يوم القيامة حول التجارب الناجحة دون فائدة تعود بالنجاح، ليس هناك ما يمنع من التعرف على أية تجربة كانت، لكنها ليست الحل، فالمصريون يريدون نموذجا يعبر عن حياتهم, ويدافع عن مصالحهم, ويقوم باستغلال طاقتهم ويرفض تبعيتهم .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *