الإبحار في محيط العالم الجديد!
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]السيد يسين[/COLOR][/ALIGN]
كنت أقلب في صفحات العدد السنوي الخاص من مجلة تايمTime الصادر في الثالث والعشرين من شهر مارس2009, ولفت نظري الموضوع الرئيسي الذي يدور حوله العدد. وعنوانه اللافت للنظر هو عشرة أفكار تغير العالم الآن, وله عنوان إضافي هو الاقتصاد الكوني تعاد صياغته أمام أعيننا, في هدي عدد من الأفكار التي تلوح في الأفق, ويعدد هذه الأفكار.
ودلالة هذا العدد من هذه المجلة الأمريكية الشهيرة وغيرها من الوسائل الإعلامية, أن الأوساط الفكرية لم تستسلم للأزمة المالية, ولكنها بادرت بالتصدي لها من خلال إبداع عدد من السياسات المقترحة الكفيلة بالمواجهة. وهذه السياسات لاتقتصر علي الجوانب الاقتصادية فقط, لكنها تتعدي ذلك لكي ترقي إلي مستوي محاولة تغيير اتجاهات الجماهير في مجال العمل والتسوق, وترشيد نزعة الاستهلاك المفرطة التي شجعت عليها الرأسمالية المعولمة, ودفعت ملايين البشر إلي أن ينفقوا بما يتعدي دخولهم, مما دفعهم إلي الاقتراض من البنوك, وعجزهم من بعد عن السداد, وذلك أدي إلي إفلاسهم وإفلاس البنوك أيضا, التي توسعت في الإقراض بشكل جنوني في سياق اقتصاد اقتراضي, يقوم علي المضاربات المالية والعقارية.
وقد طالعت بإمعان المقدمة التي حررها رئيس تحرير المجلة ريتشارد ستنجل وعنوانها الإبحار في محيط العالم الجديد لكي يقدم بها موضوعات العدد الزاخرة بالأفكار الجديدة.
كان صريحا غاية الصراحة وهو يخاطب القراء قائلا: لست في حاجة إلي إن أقول لكم أن هذه أسوأ حالة اقتصادية تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية منذ عهد الكساد الكبير. وهي لذلك لحظة صعبة وتتسم بعدم اليقين سواء بالنسبة لأمريكا أو بالنسبة للعالم.
وهذه العبارة الأخيرة تذكرنا بما قرره علماء العلاقات الدولية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة, حين ذكروا في عبارة أضحت كلاسيكية إننا نعيش في عالم يفتقر إلي اليقين ويصعب التنبؤ بمساره! اقتبست هذه العبارة عدة مرات في عديد من مقالاتي وكتبي, لكي أرسم الملامح البارزة لقسمات العالم الذي نعيشة بعد سقوط الأنساق المعرفية القديمة في العلاقات الدولية والسياسية والاقتصاد والاجتماع, والصراع الأيديولوجي الحاد من أجل صياغة أنساق جديدة.
ويواصل ستنجل حديثة للقراء لا أحسبني أقول لكم شيئا لاتعرفونه حين أقرر أن عالمنا يتغير أمام أعيننا, وأن هناك عالما جديدا يتخلق, فهذا هو واقعكم اليومي وواقعنا.وذكر أن مهمتهم ـ كفريق للتحرير في المجلة ـ هو مساعدة القراء للإبحار في محيط العالم الجديد, لكي يفسروا لهم ماالذي يتغير ولماذا, وماالذي يمكن عمله إزاء هذا التغيير؟.
وأضاف أن مهمة العدد الخاص من المجلة تنطلق من مسلمة, مؤداها أن الأفكار المقدمة ستساعد علي تفسير العالم كما هو وليس كما اعتاد الناس التعامل معه, أما فيما يتعلق بالأزمة المالية فينبغي أن نعيد التفكير في أشياء تعودنا علي أن نأخذها كمسلمات.
ومن ناحية أخري لابد من الاعتراف بأن الأعمال والمهن القديمة والتقليدية وليست المضاربات علي الأسهم أو علي العقارات, هي ماينبغي أن يعتمد عليه الاقتصاد, وليلاحظ القاريء المهتم أن هذه الفكرة تتضمن نقدا لاذعا لجنون الاقتصاد الافتراضي الذي استشري في الولايات المتحدة الأمريكية وانتقلت عدواه إلي البلاد العربية, حيث اندفعت جماهير غفيرة من البشر للمضاربة في البورصة تاركه أعمالها التقليدية, ومتفرغة لمتابعة حركة الأسهم صعودا وهبوطا, والتي لا يسيطر علي حركتها الإنتاج الحقيقي الواقعي, ولكن مؤامرات كبار المضاربين والتأثيرات الأجنبية التي لا علاقة لها بالاقتصادات الوطنية, وكانت النتيجة إفلاس عديد من المضاربين البسطاء الذين دفعتهم أحلام الثراء السريع إلي عالم المضاربات بغير خبرة سابقة, أو ثقافة اقتصادية, أو معرفة بالسلوك الاقتصادي المنحرف في مجالات البورصة.
حدث ذلك في مصر وفي غيرها من البلاد العربية, ولعلنا نذكر كارثة سوق المناخ في الكويت والتي حدثت منذ سنوات, والتي كانت تمثل انهيارا خطيرا في الاقتصاد الكويتي, نتيجة الإيغال في مجال المضاربات.
الغريب في الوصية التي يوصي بها ستنجل القراء أنه يدعوهم إلي اكتشاف قيمة العمل القديمة, ومعني العودة مرة أخري لممارسة المهن التقليدية التي كادت حمي المضاربات المجنونة أن تنسيها للناس!
ويضيف رئيس التحرير أنه لابد للجماهير أن ترشد سلوكها الاستهلاكي, بعدما كانت الحركات ووسائل الإعلام والدعاية الضاغطة تدفعهم دفعا إلي حمي الاستهلاك المفرط, الذي دمر ميزانيات آلاف الأسر, ودفعها دفعا للاقتراض.
ويسترسل الرجل في سرد الأفكار الجديدة لمواجهة الأزمة المالية, والتي لن نخوض في تفاصيلها, لأن الذي يهمنا هو هذا الاتجاه الإيجابي في مواجهة الأزمة والذي يدفع الناس دفعا إلي ممارسة التفكير الإبداعي لمواجهتها, تحت الشعار الذي يقترحه وهو التجديدRENEWAL, ويعني بذلك أن قوة الأفكار تستطيع أن تعيد الروح للأشياء والقيم التي تحطمت وتنفخ فيها روح الحياة من جديد, مما يؤدي إلي التغيير الجوهري للمشهد الاقتصادي, والاجتماعي والثقافي الأمريكي.
الأهرام المصرية
التصنيف: