نبيه بن مراد العطرجي

لَا تَستغْرب قَارئي الكَريم مِن عِنوان المقَال ، فَهو حَقيقَة فِي عَالم الوجُود ، وَلك أنْ تَتخَيل ذَلك أمْهلنِي قَليلاً حَتى أَكْمِلَ مَقالي وَتقْرأُه لِتعرِف مَن هُم الأحْيَاء الأمْوَات ، هُم أنَاس مَيتُون عَلى الرَغم مِن أنهُم يَستنشِقُون الهَواء ، وَيتحَركُون بِصورة طَبيعِية , يَأكلُون وَيشرَبون ، وَلكنهُم فَقدُوا إنْسانيتَهُم وَالإحْسَاس والضَمِير , حَتى أنهُم يَتمنُوا الموْت فِي كُل لحظَه لِيرتَاحُوا مِما هُم فِيه مِن أَلم مُوجِع ، وَعذَاب الضَمِير الِذي يُعد مِن أشَد أنْواع العَذاب ، وَما ذَلك إلَا نَتيجَة لحْظة ضعْف تَمكَن الشَيطَان فِيهَا مِن قَلبِهم ، وَعمَى بَصيَرتهُم لَيقدِمُوا عَلى إرْتكَاب كَبِيرة مِن الكَبائِر التِي حَرمهَا الخَالِق تَبارَك وَتعَالى ، وَلم يَجعَل لهَا كفَارَة لَعظَمة أَمرِهَا سِوَا إقَامَة الحَد الشَرعِي {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} رَوى أَبِي هُريرَة رَضِي اللَّهُ عَنْه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم أَنهُ قَالَ : ( أجْتَنِبُوا السَّبْع الْمُوبِقَات . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه : وَمَا هُنَّ ؟ قَال : وَقَتْل النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ ) وَالموبِقَات هِي : المهْلِكَات ، وَالحيَاة مِن الحقُوق الأسَاسِية لِلبشَر ، وَهي قِيمة إيمَانية نَابعة مِن إحْتِرام الآخرِين وَالإعْترَاف بِكُل حُقوقِهم ، وَهكَذا كَانَت حُرمتهَا مِن أعْظم الحُرمَات فِي القُرآن الكَرِيم ، وَليْس القَتل جَريمَة عَادِية ، إذْ أنَه مُخالِف لِفطرَة البَشر ، كَما أنَه مِن مُفردَات الظُلم لإسْتلَاب حَق الحيَاة مِن صَاحبهَا ، فَمن قَتل نَفسَاً بِغيْر حَق أصْبَح فِي حَياة الزوَال مَيت لإرْتكَابه جَريمة شَنعَاء فِي حَق إنْسَان بَريء حَرم الله قَتله إِلا بِالحَق ، فَسَفْك دِماء المسْلمِين وَهَتْك حُرمَاتهِم لَمِنْ أعْظَم المظَالمِ فِي حَق العِبَاد ، فَمن اجْترَأ عَلى قَتل مُسلِم بِدون جِنايَة أو قِصَاص فَقد حَادّ الله وَرسُوله ، قَال عَليه الصَلاة وَالسَلام : ( لَا يَزال المرْء فِي فَسحَة مِن دِينه مَا لمْ يُصب دَماً حرَاماً ) وَقال عَليه الصَلاة وَالسَلام : ( لَزوَال الدُنيَا أهْوَن عِنْد الله مِنْ قَتل مُؤمِن بِغيْر حَق ) وَعن عُقبة بِن عَامر رَضي الله عَنه قَال : قَال رسُول الله صَلى الله عَليه وَسلَم : ( لَيسْ مِن عَبد يَلقَى اللهَ لَا يُشرِك بِه شَيئاً ، ولَم يَتنَد بِدم حَرام إِلاّ دَخل مِن أَي أبْوَاب الجَنةِ شَاءْ ) وَعن إبْن عَباس رَضي الله عَنهمَا أنَه قَال : سَمعْت رَسول الله صَلى الله عَليه وَسلَم يَقول : ( ثَكلتْهُ أُمُه رَجلٌ قَتلَ رَجلاً مُتعمِداً يَجيء يَومَ القِيامَة آخِذاً قَاتلَه بِيمِينه أوْ بِيسَاره ، وَآخِذاً رَأسَه بِيمِينه أوْ شِمالِه تَشخبُ أوْدَاجه دَماً فِي قَبل العَرش يَقول : يَا رَب سَلْ عَبدَك فِيم قَتلَني ؟ ) فَهذِه الفِئة ممنْ غَواهُم الشَيطان هُم أحْيَاء بَيننَا ، وَلكنهُم فِي حَقيقَة الأمْر أمْوَات فِي أنْفسِهم ، يُعذبهُم النَدم عَلى مَا أرتَكبُوه مِن جُرم بِحق الله ، وَبحَق أنْفسهِم ، وَبحَق غَيرِهم مِن النَاس ، وَلكِن مَاذَا يَنفَع الندَم بعْد فَوات الأوَان ؟ هَؤلَاء هُم الأحْيَاء الأمْوَات ، الذِين يَقضُون مَا تَبقَى مِن أيَامِهم خَلف القُضبَان حَتى يُقام عَليهِم الحَد الشَرعِي لما أرْتكَبوه مِن كَبيرَة حَرمهَا الإسْلَام .
شِعر : لَيسَ مَنْ مَـاتْ فَأسْترَاح بِميتْ إنَمـَا الميِتْ مَيِتْ الأحْيـَاء
إنَمَا الميِـتْ مَنْ يَعِيـشْ كَئِيبَاً كَـاسِفَاً بَالِه قَلِيـلْ الرَجـَاء
هَمسَه : قِيمَة الحَياة عَظِيمَة .
وَمَنْ أَصْدَقْ مِنْ الله قِيلاً {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}.

[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *