الأساطير والآثار
أنا عندي سؤال : طالما أن معظم أعمال التنقيب عن الآثار في أي مكان من العالم تبدأ من البحث في ذاكرة الشعوب عن ماضي أجدادهم وما تكتنزه من القصص والأساطير بغض النظر عما فيها من الخوارق والخرافات، وطالما أن هيئة السياحة والآثار لدينا فيما يبدو أصبحت جادة في هذا الشأن بإعلانها اكتشاف عظم بشرية يعود تاريخها لما قبل التسعين ألف عام فما الذي يمنع من الاستفادة مما في مخزوننا التراثي من الملاحم والأساطير حتى وإن كانت غير معقولة أو مفتقدة للشواهد الملموسة الدالة عليها ؟ من يدري ؟ لعل تتبع القرى والأماكن التي حدثت فيها تقود لموقع أو أثر لم يكن على البال ولا على الخاطر ؟.
يحكى أن في قرية صغيرة تسمى أوزيت تابعة للعاصمة الأمريكية واشنطن كان يعيش قبيلة من الهنود الحمر تسمى قبيلة الماكاه ، وكان بالقرب منهم جبل ترابي مرتفع اكتسى بغطاء سميك من الأشجار والحشائش من شدة عزلته عن البشر ، والسبب أن أولئك الهنود كانوا يمنعون الاقتراب منه ولو على سبيل التنزه لشدة قدسيته بالنسبة لهم ، فقد كانوا يقيمون حوله طقوسهم الدينية وصلواتهم وأعيادهم المقدسة ،
وكل ذلك لأن هذه الجبل ارتبط في الوعي الشعبي لقبيلة الماكاه بأسطورة قديمة توارثوها جيلاً بعيد جيل ، هذه الأسطورة تقول باختصار شديد ؛ أنه في ليلة من ليالي أوزيت الهادئة ؛ غضبت السماء غضبة مفاجئة ، فأرسلت للأرض عاصفة شديدة اقتلعت إحدى الجبال القريبة وهبطت به فوق القرية بكاملها ولم ينج من سكانها إلا من كان خارجها ، ولأن القصص يتوارثها الناس شفاهة فقد كانت تنتقل لكل جيل بشيء من التهويل والمبالغة ، فأضحى المكان أشبه بالمكان المقدس ، وأمسوا الأجداد أشبه بالآلهة والقديسين ، الأمر الذي صعب تصديقها من قبل الجهات المعنية بالآثار في أمريكا ، فبقيت الأمور قيد التجاهل إلي أن أتى العام ١٩٧٠م ؛ والذي فيه أيضاً حدثت عاصفة مطرية شديدة أدت لجرف جزء كبير من تربة ذلك الجبل ،
فإذ بالكثير من الأدوات والأشياء القديمة تبرز من جوفها( مجاديف ، صنارات ، هياكل عظمية ، صناديق مرصعة ، رماح حربية ، قبعات مغزولة وغيرها ) ليتضح أن ما كانت قبيلة الماكاه تتدعيه وتتحدث عنه طيلة قرون لم يكن مجرد أسطورة ، إنما حقيقة تراكمت فوقها مبالغات الحكايا الشعبية ، حينها بادرت السلطات على الفور بأعمال تنقيب مكثف لتجد فيما بعد الكثير من الأدوات الهندية القديمة الخاصة بأجداد الماكاه ،
فبنت على إثر ذلك متحفاً لتلك القرية مختصاً فقط بآثار الماكاه الأوائل ، كما وعومل الجبل معاملة المناطق التراثية المحمية ، لذا أعتقد أن التنقيب عن حضارات ما قبل عصر التأريخ في جزيرتنا العربية لابد وأن يشمل إعادة قراءة للتراث القصصي المهمل في إطار مغلق على المتخصصين ، بحيث لا يهدف إلا لتقصي ما تتضمنه من إشارات للأمكنة والمواقع أو كل ما يفترض أنها مسارح لأحداث قديمة سيما ونحن في بلد معظمه كثبان وصحاري واسعة كانت يوماً ما جنات وأنهاراً كما أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ،
فهل يعقل ألا يكون حول تلك الجنات حضارات عمرانية ومدن تاريخية طمرت تحت صحارينا بفعل الظواهر الطبيعية كالعواصف والسيول أو الجفاف والمجاعات ؟ فكروا بالأمر فلعل ما حدث لمدينة بومبي الإيطالية التي لم تكتشف إلا بعد مضي نحو ألفي عام من تواريها تحت التراب ليس بمستبعد أن يحدث في بيئة رملية كبيئتنا؟
@ad_alshihri …[email protected]
التصنيف: