أمي وأمها
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]فهد بن محمد علي الغزاوي[/COLOR][/ALIGN]
قلت لابني في جلسة حميمية عائلية أريحية أمي أحسن من أمك يا ولد! فنظر إليّ باستغراب ودهشة ووقف حائراً ورد قائلاً لماذا أمك أحسن؟ قلت أولاً لأنها أمي وثانياً لأنها كانت تعتني بأبي وتهتم برضاه ولا تترك كبيرة أو صغيرة إلا بعلمها ولم تخرج لأي سبب من الأسباب من بيتها بل كان اهتمامها البيت والأولاد والطبخ والغسل والكوي، ثالثاً أمي كانت رحمها الله تولي جميع أفراد أسرتها وأسرة والدي اهتماماً بالغاً وإكباراً وإجلالاً وتقديراً. فرد ابني عليّ بقوله : وهو ابن العقد الثالث قائلاً لي: يا أبتِ بلاش تجهُّم وإنكار حقوق والدتي وليتنا نتساءل بكل موضوعية وعدالة وإنصاف، قال في عجالة إن أمك كانت مخلوقة مطوّعة لخدمة أبيك والسهر على راحته وتلبية حاجاته وحاجات أبنائه وخدمة البيت. إنك يا أبتِ تستطيع أن تقول إنها كانت مبرمجة ومعدةً سلفاً من قبل أهلها وبيتها وتربيتها على طاعة الزوج العمياء ورضاء أهله، قلت له يا ابني إن أمي كانت تطبخ خرفاناً كباراً في بيتها دون اللجوء إلى أي مطبخ خارجي، وكانت تقوم بعمل الحلويات في الدار وكانت تقدم وجبات لا يضاهيها أي إنسان كان! كما أنها كانت تتمتع بأدب وخلق ومعرفة بإدارة البيت. فسكت ابني بُرهة ثم قال: إن أمك كانت ليس لها رأي ولا إ
رادة والرجل منكم هو السيد المطاع دون غيره وهو صاحب القرار والرأي في البيت والمجتمع، أورثتونا يا أبي عادات وتقاليد عمياء مستمرة حتى الآن فبعض النساء في يومنا هذا حبيسة الرضاء والطاعة العمياء لزوجها المستبد. أحسست حينها في نفسي أن ابني بدأ يقاومني بأسلوب ورأي سديد يدحض به الرأي الآخر ويقاوم الحجة بالحجة حتى أني حاولت يومها أن أوقفه بأسلوب يتفق مع ذلك الموقف المثير والحوار الهادف البناء، فقلت له: إن أمي كانت \”تحشي البامية\” فرد عليّ وهو يتبسم بسرعة بديهية قائلاً: إن أمي أيضاً \”تحشي البازالية\”. سكت حينها بُرهة مفكراً في حيلة جديدة أقوي بها عزمي وأرفع بها من مقام أمي فقال لي لماذا سكت؟ قلت له أريدك أن تُكمل، قال لي أحسن لك يا أبتِ أن تقول هناك أدوار أدتها أُمك وطوّعت البيئة لخدمتها بالمكواة الفحم والغسيل بالرماد والطبخ بالفحم لكن اختلف الزمان اليوم وكذلك المكان وتحسنت أساليب الحياة وتطورت مفاهيمها فنحن لا ننكر عطاء أمك يا أبتِ ولا جهدها المتواصل، فأمك أدت دوراً كبيراً وأساسياً في وقت صعبٍ وجاءت أمي بعدها في وقت أسهل من وقتها وفي بيئة مناسبة ومفاهيم متطورة وأدت هي كذلك دورها تجاه أبنائها ومجتمعها.
قال لي بدهشة إن أمه استخدمت التكنولوجيا وتعلمت في المدارس وبالتالي علّمت غيرها من الأجيال وخرجت وأسست حضارة وقادت بيتها وأبناءها بكل كفاءة وقدرة وثبات، حتى أوصلتهم اليوم لأن يكونوا قيادات بارزة منتجة واعية، فأصبح للمرأة اليوم مكانة ورأي وإرادة وقدرة على الابتكار والاختراع، وها نحن اليوم نشاهد بأُم أعيننا بناتنا في خارج بلادنا يبرُزون ويخترعون ويتألقون في سماء العلم والمعرفة، لقد ملأ ابني نظرتي وملك حناني وأُعجوبتي برده السديد وفكره النيّر القريب لما ذكره عن أمه وبناتنا اليوم، ثم يضيف قائلاً ابني: كان الأجدر بك يا أبي أن لا تقول مثل هذا القول \”أمك أحسن من أمي\”، كان الأجدر بك يا أبي أن تشكر أمك كما تقول وتفتخر بدورها وأعمالها وتربيتها وكان الألطف أن تشكر أمي كذلك وتحمل لها الشكر والتقدير والعرفان تجاه جهدها وعنائها، في تعليمها ومكابدتها الظروف المحيطة بها حتى أنها عملت على تعليم بناتنا في مجتمعنا ووصلت إلى غايتها وأهدافها السديدة.
فاليوم الأم ليست مربية فقط بل هي مدرسة تعلّم أبناءها، فالأم أصبحت تقوم بأدوار متعددة وليس دور واحد كأمك في السابق، فشكرت لإبني على خروجنا جميعاً من هذا الموقف أو الدرس بأعجوبة وأقوال بعضها يدحض الآخر والبعض الآخر يخرجنا إلى مفاهيم حضارية بكفاءة علمية وحوار هادف بناء، أوصلنا هذا إلى أن المرأة هي أكثر تفاعلاً وقدرة على الوفاء بالتزاماتها وصبراً على الشدائد وإتقاناً على إدارة بيتها وأبنائها والرقي والفخر بمجتمعها واتفقنا جميعاً إلى أنه لولا أمي لما كانت أمه، ليس بالسبق في الوجود فقط بل في تهيئة البيئة والظروف والإنجاب وتطويع الصعاب والتقينا متفاهمين على قول أمير الشعراء: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
التصنيف: