أزمات زاحفة وحلول مؤجلة

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. مهند العزاوي[/COLOR][/ALIGN]

شهد العالم متغيرات جوهرية في الصراع المعاصر، ولعل أبرز سماته المخيفة التحول من حرب الحدود والجيوش إلى الحروب الشبحية والعمليات الخاصة وإذكاء حرب الهويات الفرعية واستهداف المجتمعات، ولعل العراق أنموذج يجسد وحشية هذه المتغيرات الخطيرة، ونتاج لصراع الاستراتيجيات الأجنبية والإقليمية، حيث عملت الأدوات السياسية الوافدة على تفتيت الديموغرافية العراقية إلى مكونات وطوائف وأعراق مع تفاقم مظاهر عسكرة الإسلام والمليشيات والجماعات الخاصة والتي تعمل بشكل مزدوج في السلطة وخارجها، وهي المرتكز الجوهري للفوضى النازفة.
نشهد ظواهر الإبادة الفكرية والثقافية ضد الشعوب العربية وخصوصا جيل الشباب الذي فقد الواقعية ودخل في دهاليز العالم الافتراضي باستخدام الوسائط المتعددة، ويبدو أن عجلة التفكيك مستمرة خصوصا بعد استخدام \”عقيدة السلطة بالإكراه والصدمة.. العراق أنموذجا\”
وبات هذا التحول البائس الفوضوي يطلق عليه تجار السياسة في العالم \”شراء الدول وتفكيكها\”، ووفقا للنظريات الاقتصادية يطلق عليها \”مدرسة شيكاغو- رأسمالية الكوارث\” لمنظرها \”مليتين فريدمان\” اليهودي الأصل والأمريكي الجنسية، والذي حققت نظريته فوضى هدامة واسعة في العراق وصدمة واختلال مجتمعي كبير ذهب ضحيتها ملايين البشر.
نشهد اليوم تداعيات تجريف القدرة العربية، واندثار المنظومات القيمية، واستنزافا ديموغرافيا متعدد الأوجه، مع خواء فكري منظم، وسياسة إلحاق للمجتمعات العربية بالعالم الافتراضي، وتهديدات آنية وشيكة تقع ضمن مرتبة المخاطر الكبرى، لعل أبرزها شبح التقسيم إلى دويلات دينية طائفية إثنية عرقية \”حرب المائة عام\”، وانتشار الحروب المركبة والحرب الديموغرافية الزاحفة.
تبرز الأهمية الجيوستراتيجية للعالم العربي كقوة تشغل رقعة متقدمة في العالم الثاني، وتحتكم على نصف الموارد الإستراتيجية في العالم، ومعضدة بأكثر من محور جيوسياسي وأبرزها المشرق العربي \”دول المتوسط- الخليج العربي- المغرب العربي\” التي تتهاوى فيها نظرية الدولة وهذا يشكل عاملا مضطربا لتوازن القوى العربي الإقليمي، وبالمقابل هناك تماسك النسيج الديموغرافي للشارع العربي كالوشائج والعادات المشتركة والتعاضد في الأزمات.
ولا بد من قراءة استراتيجية متأنية للتهديدات والأزمات الزاحفة وإعادة رسم السياسة العربية في ظل تعاظم مظاهر القتل المجاني اليومي دون رادع أخلاقي وقانوني، وكذلك التهديدات الإقليمية والدولية وانشطار الدول والانفصال وخضوع المنطقة لصراع الوصول الدولي والعبث الإقليمي، ولا بد من العمل على حشد مفاعيل القوة والضغط لتحقيق التكامل السياسي والاقتصادي والعسكري العربي، وهو أمر صعب المنال حاليا ولكنه ضروري لاستعادة القدرة العربية الشاملة، وتشكيل تمركز للقوة في معادلة التوازن العربي الإقليمي والحضور الدولي.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *