أثر القرآن الكريم في الحياة العربية

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أ.د محمد أحمد حسن القضاة[/COLOR][/ALIGN]

لقد كان أثر القرآن الكريم عظيماً في تطوير المجتمع العربي، من مجتمع قبلي، كل قبيلة فيه لها كيانها الخاص ورئاستها الخاصة، إلى مجتمع مدني يشعر جميع أفراده بشعور الرعوية في دولة واحدة ذات نظام واحد يتساوى فيه أبناؤه في الواجبات والمسؤوليات، دون تفريق بين شريف و وضيع، أو بين قبيلة ممتازة وقبيلة دنيئة.
لقد كانت القبائل العربية قبل الإسلام تتفاوت في الشرف والمنزلة الاجتماعية، وقد أسس القرآن الكريم الدولة الجديدة عند العرب على مبدأين اثنين أولهما : الشورى، قال الله تعالى : \’\’وأمرهم شورى بينهم\’\’، وثانيهما : العدالة المطلقة، قال الله تعالى : \’\’وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل \’\’، وقال عزوجل : \’\’ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين\’\’.
وجعل القرآن الكريم رئاسة الدولة بالمبايعة، وجعل العلاقة بين الشعب والرعية مقيدة بالقانون الذي شرعه الله لعباده، فالكل أمام الحق سواء الحاكم والمحكوم، الغني والفقير،القوي والضعيف، وفي ذلك يقول الخليفة الصديق رضي الله عنه :\’\’ القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له\’\’.
وكان توحيد العرب داخل جزيرتهم، وازالة الحروب والغزوات التي كانت قائمة بين قبائلهم مقدمة لخروجهم من جزيرتهم برسالة آلهية تحريرية ليس كشعوب العالم يومئذ عهد بها، وجعل منهم أمة تحمل لواء الريادة الفكرية والتهذيبية والحضارية لأمم الحضارة المعاصرة لهم، فغدوا قادة بعد ان كانوا تابعين، وأساتذة بعد أن كانوا مقلدين، ومعلمين بعد أن كانوا أميين.
لقد عرفت الجزيرة العربية قبل الإسلام موجات من هجرة أبنائها إلى خارج حدودها، انتجاعاً للرزق والعيش، ولم تكن فيها موجة تحمل رسالة وفكرة وهدفاً نبيلاً تحريرياً لمن ينتقلون إليهم، ولكن الموجة العربية بعد الاسلام كانت من طراز فريد أدهش العالم يومئذ، ولا يزال يدهش كتاب العالم اليوم، موجة أقامت حضارة، وأنشأت دولاً، وأزالت دولاً، ونشرت علماً، وأسست معاهد وجامعات، وأدخلت نور العلم والثقافة إلى أوروبا في القرون الوسطى، فبددت ظلامهم، وفتحت عقولهم، وجعلتهم تلاميذ يدرسون كتبهم في معاهدهم وجامعاتهم أكثر من ستة قرون. وكان خروج العرب في هذه الموجة مقروناً بالإستعلاء الخلقي والفكري على من حاربوهم من الروم والفرس مما كان له عظيم الأثر في انتصاراتهم وفتوحاتهم، وكان من أثر الموجة أيضاً أن امتدت رقعة العالم العربي اليوم من بلاد الشام إلى مصر والعراق وافريقيا وغيرها، انتشرت لغتهم العربية كلغة حضارة وعلم إلى جميع بلاد العالم، ودخلت كثير من كلماتها وتراكيبها إلى لغاتهم، هذا بعض آثار القرآن الكريم على الحياة العربية واللغة العربية، ولولا القرآن العظيم لما بقيت اللغة العربية واحدة يتكلم بها جميع أبناء البلاد العربية، وهذا هو سر خلود اللغة العربية، لا كما يذيع الشعوبيون من أعداء الإسلام من أن القرآن الكريم جمّد اللغة العربية وحال دون تطورها.
وهناك نماذج رائعة من أثر القرآن الكريم، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان في الجاهلية فتى لاهياً كفتيان قريش، فإذا هو بعد الإسلام محرر العالم من اكبر دولتين باغيتين، ويصبح مديراً لممالكهما بأحسن وأفضل مما كانت تدار به في عهودهما، وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه لم يكن في الجاهلية إلا فتى شجاعاً يحسن الحرب في غزوة قبيلته على قبيلة عربية أخرى، فإذا هو بعد الإسلام قائد جيوش الموجة العربية الإسلامية الجديدة، يتغلب على قادة الدولتين الكبيرتين، ويلحق بهما أكبر الهزائم، مما جعله في التاريخ حقّاً من الخالدين.
وأمة العرب والاسلام اليوم لا يزال القرآن الكريم بين أيديها غضاً حياً، يخاطب العقول والأرواح والنفوس، يزداد مع الأيام طهراً ونقاء، ويدعو الأمة إلى الحياة الحرة الكريمة، إذا استجابت لآياته الطاهرة فهماً وتطبيقاً، بحيث يصبح الزاد الحقيقي الذي لا يستغنى عنه، لأن فيه الغنى عن غيره من القوانين الوضعية في حل معضلات الأمة السياسية والأقتصادية والاجتماعية والتربوية، وقد تكفل الله بنصر الامة على أعدائها إن نصروا دين الله، وأعلوا شأنه في أنفسهم وبيوتهم وحياتهم، وتاريخ الأمة شاهد عليها على مر العصور، كلما أحست بكبوة أو غفلة ثم عادت إلى المنابع الصافية من دين الله الخالد، الذي لم يمس بتحريف أو تبديل، وهو صالح لكل زمان ومكان، فإنها تعيش عزيزة كريمة، مرهوبة الجانب، يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، ولن تبقى عالة على غيرها من دول العالم الكبرى التي تتحكم بمصيرها، وصدق الله العظيم: \’\’ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين\’\’.
عن الراى الاردنية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *