يَبحثونَ في ثنايا \"المدبلجة\"

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]رجاء محمد الجاهوش [/COLOR][/ALIGN]

اللَّهجة معروفة مُحبّبة، والملامح مألوفة، والأسماء عربيَّـة أصيلة، وشيء من المعاني الدينيَّـة غلَّفَ زُجاجة السُّم ببريق خَادِع !
سادَ صمتٌ يُشبه صمتنا العربي، فالكلّ مشغول بمتابعةِ أحداثِ المُسلسَل، وما آلت إليه أحوال القلوب المُتعبة التي أضناها الهَجر وأرَّقها الحَنين !
والويلُ كلّ الويل لمَن يُحدِث إزعاجا، أو يُصدر أصواتًا تَعلو فوقَ تلكَ الأصوات المنبعثة من ذلك الصندوق، فالأحداث غاية في الأهميّة، والمَشهَد إن فاتَ لا يُعَوَّض، لذا فليصمت الجَميع، وليُتابع الجميع بهيام ونشوة !
الغريب في الأمر أن أولئك القوم لم يكونوا من المُدمنين المُنحرفين، ولا ممن اعتادوا اللهو والعَبث، بل هُم مِن الأسوياءِ العُقلاء الذين يَحرصون على تربية أبنائهم تربية صَالحة، فيحثّونَهم على حفظِ كتابِ الله، ويَسعَون بجد إلى غرسِ العَفافِ في قلوبِ بُنيَّاتهم، ويواظبونَ على صلاتِهم وصِيامِهم !
ما الأمر إذاً؟! ماذا أصابهم؟!
كيف غفلوا عمَّا تَنطوي عليه تلكَ المُسلسلات ـ طويلة الأمدِ ـ من فسادٍ؟!
حيّرني السُّؤال ، فانتهزتُ فرصة التقائي بجَمع مِنهم في جلسةٍ وَدود لأستوضحَ الأمر، ودون كبير عَناء في اختيارِ المَدخلِ ـ الذي طالما يُؤرِّقنا عندما نُريدُ الحديثَ عن أمرٍ نَظنّه حساسًا أو رُبما يُسبِّب ضيقًا ـ كان الحوار عَفويًا صريحًا…
توجهتُ بسؤالي بداية إلى تلك الفتاة اليافعة التي تبلغ من العمرِ ستة عشر عاما فسألتها: هل تتابعين المُسلسلات المُدبلجة ؟
احمرت وجنتاها وخَفضَت بصرها، فبادرتها قائلة : لستُ بصدد تَجريمَك، إنَّه مُجرد حوار صديقات ـ رغم فارق السن.
ابتسَمَت قائلة: سأجيبُ عن جميع أسئلتك.. نعم أتابع المُسلسلات المُدبلجة، لكن التركيَّة منها وليست المكسيكيَّة.وكأنها أرادت أن تقول أن المسلسلات التركيَّة أحسن حالا من المكسيكيَّة !
– حسنًا.. ولماذا تُتابعينَها ؟
استوقفتها سائلة : ما هي تلك القضايا المُهمَّة التي تناقشها ؟
– الأسرة وأهميَّتها، وضرورة وجود الحبّ بين أفرادها، وجمال العلاقات الإنسانيَّة التي نفتقدها !
– برأيكِ هل يستطيع مسلسل تغيير قناعات ما لدى الشَّخص، هل له هذا التَّأثير بالفعل ؟
– يعتمد ذلك على طبيعة الشَّخص؛ لكنَّها في جميع الأحوال تَنقل الشَّخص إلى أحداثها فيعيشها بحزنها وفرحها، ويكون التَّأثير حسب واقع الشخص المُعاش، والخوف ـ كما تقول والدتي ـ من طول فترة التَّعايش مع أحداثها…
صَمتت هُنيهة وبَدا عليها مَلامح مَن تاه في دربِ الإجابة ثم قالت مبتسمة : لا تسأليني أسئلة صَعبة !
فابتسمتُ قائلة : أجيبي وِفقَ فَهمكِ للأمر ورؤيتكِ الخاصَّة له دون توتر.. اتفقنا ؟
– حسنًا اتفقنا؛ سأبوح لك بأمر: لقد عاهدتُ نفسي مِرارًا ألاَّ أتابع مثل هذه المُسلسلات لأنها مَضيعة للوقت، كما أنَّها تُصيبني بحزنٍ في أكثرِ الأوقاتِ لكن المشكلة تَكمن في التَّشويق !
فأحداث الحلقة تنتهي عند نُقطةٍ حَرجةٍ، تَشحنُكِ بفضول كبير لمعرفةِ ماذا سَيحدث في الحلقةِ القادمةِ، وهكذا أظلُّ أترنَّحُ بين فضولي في معرفة ماذا سيَحدث وبين رغبتي في التوقف عن المُتابعة ، لأن مثل هذه المشاهد غَدَت عاديَّة الوجودِ في مسلسلاتنا العربيَّة، على كل حال عندما تظهر مثل هذه المَشاهد أقومُ بتغيير القناة، وأحيانا أغلِق التلفاز ولا أكمل مُتابعة الحلقة !
إلى هنا انتهى الحديث مع تلك الزَّهرة اليانِعة، وبدأ حديثٌ آخر مع سيداتٍ في مختلف الأعمار، كانت حَصيلته أنَّـنا في زمنٍ طغت فيه المَّادة على كلِّ شيء حتى وصَلت إلى قلوبِنا، فصيَّرت القلبَ عَضلة جوفاء تضُخ الدِّماءَ دون ماءِ الإحساس إلى أن تحجّر وقسا !
مَشاعرُنا تَحتضر، وأرواحُنا تَئِن مِن فرطِ ما أصابها من جَفاءٍ، والفَراغ العاطفي يَفغر فاهُ يريدُ ابتلاعنا، فنَفـرُّ هاربين من قبضةِ فكَّيْهِ إلى مثل هذه المُسلسلات لنعيشَ \”الرومانسيَّـة\” ولو وَهمًا !
عَجَـبًا ..منذ مَتى كانَ الوَهمُ بَلسـمًا، ومُنذ مَتى كانَ رِزقُ اللهِ يُستَجلب بمَعصيتِـه؟!

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *