[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]علي محمد الحسون[/COLOR][/ALIGN]

•كان ذلك الصباح غيره عن أي صباح آخر.. كانت شمسه المحرقة تحمل في أشعتها برداً وسلاماً لاولئك الذين حفيت أقدامهم وهم يذهبون كل يوم إلى رؤوس الحرار اللاهبة وحجارتها المدببة تخترق اقدامهم الحافية فلا تزيدهم إلا اصراراً على المضي في انتظار القادم.
وكانت رؤوس النخيل المتمائلة نشوة بتلك الاجساد المفتولة والتي هدها الانتظار فلم يزدها إلا لهفة وصبراً واستعذاباً للقادم من الأيام فراحت تتراقص شوقاً وهياماً والأعين تنصب إلى اطراف الأفق البعيد وتعود في نهاية اليوم إلى اكنتها وهي أشد أملاً في يوم آخر.
فكان صباح هذا اليوم غير كل الصباحات فبعد أن انتصف النهار وكاد البعض يعود الى سكنه وهو يمني نفسه بيوم آخر لعله يحظى بما يريد.. وإذا بذلك الصوت من فوق تلك \”الباسقة\” يعلو يا بني \”قيله\” هذا صاحبكم قد اقبل وتشرئب الاعناق وتخرج من بين خمائل الورد واشجار الفاغية تلك الشخوص لتتحول إلى روح واحدة منشدة وهاجزة \”طلع البدر علينا.. من ثنيات الوداع\”.. تخيل ثنيات الوداع هذه لتكون ثنيات اللقاء.
لقد بدأ الركب المبارك يقترب.. وتلك القصواء تتهادى في شموخ والكل يريد أن يكون له شرف الامساك بخطامها.. ويلتقي الكل حول الركب الشريف.. وينزل في قباء تلك الضاحية الهادئة الساكنة المسكونة بطيبة أهلها فتزدهي تلك الربوع وتتحول من ضاحية هادئة تغرد في بساتينها طيور \”القماري\” و\”النغاري\” الى مدينة تتحرك فيها الحياة لتبدأ نقطة التحول الجذري.. لتنام أول ليلة في حياتها وهي هانئة تنظر الى المستقبل نظرة لم يكن في حسبانها ان تكون صاحبتها في يوم من الأيام ليضع فيها اولى لبنات لأول مسجد اسس على التقوى ليمضي بعد ثلاثة أيام الى حيث اراد الله له المقام وكانت القصواء تتهادى بين الاحياء والكل يريد أن يكون له شرف الضيافة فيقول صلوات الله عليه وسلامه \”دعوها إنها مأمورة\”.
ويبدأ في وضع اسس الحياة السليمة.. صارفاً العقول عن كل دعاوى الجاهلية والقبلية فالكل في حق الحياة سواء فهذا بلال العبد الحبشي يقول عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بلال سيدنا اعتقه سيدنا.. وهذا صهيب الرومي يأخذ مكانته في الاسلام وذلك سلمان الفارسي قال عنه المصطفى \”سلمان منا أهل البيت\”.. كانت هذه القوميات الثلاث الحبشي.. والرومي.. والفارسي، كأن الاسلام أراد ان يقول لنا لا شيء فوق الايمان الكل إخوة.. فكانت بداية وضع الاساس لحرب كل عنصرية..
وكلكم لآدم وآدم من تراب.
ليكون يوم الهجرة يوم التحول الكبير في حياة الأمة من الخوف الى الامان ومن الهمس الى الجهر بالحق..
لقد اخذ صلوات الله عليه وسلامه يضع قواعد الحياة لتكون بداية الانطلاق للمجد والسداد لينتشر هذا النور على كل الدنيا لتصبح هذه المدينة \”المنورة\” نقطة الارتكاز التي تدور حولها الحياة وبهجة الحركة.
إن يوم الهجرة يوم مشهود فلا يكفي ان نذكره كيوم عابر إنه يمثل نقطة انطلاق نحو محاسبة النفس..
•• كيف كنا.. وأين أصبحنا..؟
•• ماذا أراد لنا أن نكون.. وإلى أين نحن سائرون..؟
•• هل تلك الاخوة التي غرسها نبي الله بين صحابته كانت لظرف طارئ ام انه كان يؤسس لمنهج حياة يريد أن يستمر؟
•\”لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى\”..
\”لا تعودوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض\”.
هذه الأسس العظيمة التي وضعها صلوات الله عليه نمر عليها صباح مساء وكأنها لا تعنينا.. انظر الى أحوال المسلمين في كل أرجاء العالم ماذا يلاقون.. وهم ليسوا من قلة ولكنه غثاء السيل..

•• آخر الكلام

ها هو شوقي يقول:

شعوبك في شرق البلاد وغربها
كأصحاب كهف في عميق سبات
وفي ايمانهم نوران ذكر وسنة
فما بالهم في حالك الظلمات

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *