[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]علي محمد الحسون[/COLOR][/ALIGN]

•• كان ذلك اليوم هو الحد الفاصل بين مستقبل يراه من البعيد زاهياً ومستقبل يراه أبوه قريباً عندما طلب منه والده أن يتوقف عن التعليم ويذهب لكي يعينه في دكانه ممسكاً \”بالمروحة الخسف\” واقفاً أمامه \”ليهف\” بها على أسياخ \”الكباب\” معطراً ثيابه برائحته الشهية في سوق الطباخة، فالأب بلغ من العمر أطوله والعلم الذي حصل عليه الابن كافياً في نظر الأب لقد تخطى المرحلة الابتدائية والتحق بالثانوية التي كانت الدراسة فيها ست سنوات قبل أن تكون هناك مرحلة متوسطة وذلك في عام 1373هـ وكان يومها في السنة الثالثة – متوسط – ألح عليه والده لترك الدراسة .. لكنه أصر على أن يمضي في تعليمه.
•••
وكانت ليلة ليلاء وهو يتقلب على فراشه بجانب والده ووالدته تلك المرأة الشامخة في ذلك \”السطح\” وكان الجو لاهباً فالمدينة المنورة في فصل الصيف تتحول الى \”أتون من السموم\” اللافح كان يتقلب على – فراشه – لم تغمض له عين أنه اليوم الفاصل بين مستقبل يراه من البعيد بكل إشراقاته وبين مستقبل يراه أبوه محدداً في وقوفه أمام كانون النار وهو يقلب أسياخ الكباب يراه بكل تواضعه واحداً من صف طويل من الشباب الذين حولتهم ظروفهم إلى \”تروس\” في مكنة الحياة العادية بعد أن حرموا من التعليم وطحنتهم الحياة تحت عجلاتها.
•••

مع بداية ملامح الفجر بدأ والده في التحرك من مكانه كان يتابعه بشكل خفي وهو يهبط درجات البيت صوته بدا له واضحاً وهو \”يهلل\” استعداداً لأداء الصلاة – بعده استيقظت – أمه – لحقت بوالده الذي ما أن انتهى من صلاته حتى أخذ \”قفته\” ومضى إلى دكانه تسلل هو بخطوات حذرة من على \”درج\” ذلك البيت الكبير بعد أن غطى \”وسادته\” بالغطاء الخفيف الذي كان يلتحفه لمحها وهي تؤدي صلاة الفجر .. فتح باب البيت بكل حذر وحرص ومضى إلى حيث قرر.
•••
تنبهت بعد أن أحضرت الإفطار إلا أنه لازال نائماً في \”السطح\” راحت تناديه من أسفل – السلم – يا يوسف .. يا يوسف أصحى يا ابني الشمس طلعت وفطورك حاضر لم تسمع إجابة .. ارتقت الدرج – في عجلة وخوف من أن يكون أصابه مكروه لمحته .. \”نائماً\” وراحت تناديه يا ولدي فطورك حاضر لم يجبها .. هنا أصابها الهلع والخوف راحت توسع خطواتها لترفع الغطاء عنه : ذهلت عندما لم تجده .. كانت الوسادة هي المغطاة. هو لا وجود له .. دهشت وهي لا ترى له أثراً.
عندها بدأت هواجسها تتسع أين راح الولد؟ راحت تسأل عنه أخاه وبقية من عرفت الكل كانت إجابتهم لا ندري جاء \”الأب\” بعد ذلك من دكانه وجدها دامعة العين خائفة النفس لقد ذهب \”يوسف\” ولكنها لا تدري إلى أين؟! تلبسها خوف شديد أن لا يكون مصيره كمصير ابن ذلك الحي الآخر عندما خرج من بيته في تلك العصرية ولم يعد وقيل إن \”جنية\” خطفته بعد أن أعجبت به.
•••

راح الأب يسأل أصدقاء \”يوسف\” عنه كانت الإجابة لا ندري.
وكان الخوف يعتصره والجزع يغشاه.
إلى أن كان يوم من الأيام أتاه خطاب من البريد ذهب به الأب إلى ابنه الآخر عبدالله ليقرأه كان من \”يوسف\” يقول فيه لقد ذهبت إلى مكة المكرمة والتحقت بالمدرسية العسكرية ..
أرجو أن تسامحوني على أن ذهبت دون إذنكم لكن مستقبلي هنا.
وارتاح الأب والأم لقد عرفوا هو فين الآن وإن كان ارتياحاً مشوباً بالغضب والحنق على ما سببه لهما من انزعاج، وبعدين العسكرية التي كانت محل خوف ورعب لمن يلتحق بها .. ولكن هذا ما حدث وقالا في صوت واحد الله يسلمك يا يوسف. وبدأت حياته العسكرية لتبدأ قصة كفاح ليس ذكرها هنا هذه المرة ليذهب إلى مصر في بعثة عسكرية لتأتي حرب 1956م حرب السويس وهو هناك ليعود إلى هنا بعد ذلك ضابطاً عسكرياً \”ملازم ثاني\” ثم يترقى في سلمه العسكري إلى رتبة لواء في سلاح الإشارة.
إنه المرحوم اللواء يوسف محمد سلمي أسكنه الله واسع جناته.

•• آخر الكلام
(العَرَقْ : هو عطر الرجال )

اياد أمين مدني

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *