يحكى أن فتى صغيراَ كان يقوم والده ببذل الغالي والنفيس لتربيته .. وضحى بكل طاقته وجهده لأجل تعليمه الأخلاق الكريمة .. والقيم السامية النبيلة.. وقام بكل إخلاص ومثابرة في توجيهه الوجهة السليمة الصحيحة للتعامل مع الله تعالى .. مع الذات .. مع الناس .. ومع الحياة والوجود !! لم يدع أمراً من أمور الدنيا إلا ودله على الطريقة المثلى للتعامل معها ، علمه الحرية .. والاستغناء بالله تعالى عن الناس .. أوصاه بالعدل والإيثار.. وبالتعلم والتدبر بوعي وإدراك .. بالتسامح .. بالعفو .. بالقول الحسن .. بالرحمة والموعظة الحسنة .. بالحب والإخلاص .. بمخالقة الناس بالخلق الحسن ، لكن ذلك الفتى لم يأبه لكل تضحيات أبيه ، ولم يعر كل توجيهاته وآدابه ما تستحق من الاستيعاب والاهتمام ، وحينما رحل الأب ؛ كبر الفتى فنسي معظم وصايا أبيه ،، وتجاهل معظم تعليماته ومبادئه ؛ وراح يواجه الناس والحياة بأدوات مختلفة ، أدوات صنعها من غروره وفوقيته وحبه لذاته .
يحب أن يمنحه الآخرون الحرية .. لكنه يبخسهم إياها .. يريد أن يعامله الآخرون بالعدل .. لكنه لا ينصفهم بالمقابل .. لا يتسامح حتى مع أقرب الناس له .. ويكره الجميع إلا نفسه ، هكذا شأنه مع جل وصايا أبيه !! وعندها غدا كل من يتعامل معه يقول له : ” أبوك لم يحسن تربيتك ” أو ” كل اللوم على أبيك الذي لم يؤدبك ” فيغضب ويثور ثم يضربه .. ظناً منه أنه بذلك قد عبّر عن بره بأبيه أو حبه الشديد له ، لكن الناس لم تتوقف عن توجيه اللوم لأبيه في كل مرة يرون فيها سوء خلقه ، وهو في نفس الوقت لا يكف عن ضرب كل من يلوم أباه ، وهكذا حتى انتهى به المطاف إلي القتل .
هذا الرجل لم يزل على أسلوبه الذي ابتكره للتعامل مع الناس .. ولم يزل يرى الأمور من منظاره المختلف عما أراده أبوه له ، لكنه لم يزل يحب أباه حباً شديداً متسائلاً في نفس الوقت .. لماذا الناس لا يعرفون شيئاً عن أخلاق أبيه الكريمة .. ولا يدركون شيئاً من سجاياه النبيلة ؟ لماذا يتصورونه شخصاً آخر غير ما يعرفه هو ؟ هل عليه أن يضرب أكثر ليتأدبوا عند ذكره ؟ هل عليه أن يقتل كل من يذكر أباه بسوء ؟ إنه في حيرة بالغة من أمره !!

[email protected]
twitter: @ad_alshihri

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *