يا ملكنا .. ما روينا من حنانك ؟

• بخيت طالع الزهراني

بكى الوطن ملك القلوب .. وحُقَ له ذلك .. نعم حُقَ لمواطني هذا البلاد أن يعتصرهم الوجع على غياب ملك غير عادي , ملك استثنائي , ملك غادرنا وقد طبع بصمة بل بصمات , وهذا هو ديدن الكبار ونهج العظماء , لا يتركون أماكنهم إلا بعد بصمات تاريخية تُسجل أسماءهم في ديوان الخالدين.
استطيع أن أقول – وباطمئنان – أن الملك عبدالله, رحمه الله , لم يغادرنا إلا وقد سجل أثرا خالدا في كل منطقة , وفي كل مدينة , بل وفي كل قرية من أرجاء الوطن السعودي المتمدد مثل قارة , بسواحله وجباله ووديانه وصحاريه .
والمؤكد أن عبدالله بن عبدالعزيز كان « قصة خالدة « من قصص التاريخ باذخة الثراء .. كانت حياته خوفا من الله تعالى , وأمانة في العمل , واخلاص في القصد , وفكر متقدم سبق به فكر زعماء كانوا أصغر منه سنا , ومبادرات ومشاريع وقف لها الداخل والخارج احتراما .. وأحاط كل ذلك بعفوية بسيطة وتلقائية صافية , جعلته فوق كونه سياسيا قديرا وحكيما باهرا , أن تحول لزعيم شعبي.
طاف الوطن شرقه , وغربه شماله وجنوبه , يتفقد شعبه , ويزرع التنمية , ويؤسس البنى التحتية الباهرة .. صافح الناس , بادلهم من القلب الابتسامات , وجلس معهم واستمع , ووجّه وأنصت .. الملك عبدالله كم أحرق من البروتوكولات الرسمية , عندما سار وسط الناس بدون حراسة في الأسواق وفي الطرقات العامة , أكل معهم , مازحهم , نثر الورود عليهم .
المواطنون قابلوا حبه بحب .. وضعوا صوره على زجاج سياراتهم من دون أن يطلب منهم أحد , في علامة على حبهم العفوي له وشعبيته عندهم , وفي استفتاء عفوي غير رسمي على أنه كبيرهم  , وأطلقوا عليه حزمة من الألقاب … « ملك الانسانية « . « ملك القلوب « .  « حبيب الشعب « . « أبو الشعب « .. وهذا مالم تسجله صناديق الاقتراع في عدة بلدان كانت تطبخ فيها نتائج الانتخابات طبخا , ثم يعلنون زورا الـ « الثلاث تسعات « .
الملك عبدالله رحمه الله زاوج بين كونه ملكا واعتباره أبا حانيا للمواطنين ، وصنع بذلك نسيجا عجيبا من الحب المتبادل مع شعبه .. تحدث لهم بأسلوبه العفوي الحميمي اللطيف , وكان من كلماته وأقواله التي تخرج من القلب إلى القلب : ( … وأنا ما أنا إلا خادم لكم ، أنا ما أنا إلا أقل من خادم لكم ، صدقوني أنني لا أنام إلا ولله الحمد سائلاً عن كل المناطق ما هي الحوادث فيها ، وش اللي ما صار , وش اللي صار . ولله الحمد هذا ما هو كرم مني . هذا وفاء وإخلاص لكم ، وحبكم لي لن أنساه ، ولن أنساه ما دمت حياً ، أشكركم وأتمِنى لكم التوفيق وأتمِنى أن تعينوني على نفسي، وشكراً لكم )… وقوله : (… بدون الشعب أنا لا شيء… وش أنا لولا الله ثم دعاء المواطنين) .. وقوله : ( ما أنا إلا واحد منكم ، وخادم لصغيركم وكبيركم ).
ما تقدم ليس سوى « سطر صغير « من مجلد ضخم , لما قدمه عبدالله بن عبدالعزيز لوطنه وأهله وأمته , فرحمه الله بقدر ما بذل وسهر وأخلص .. ودعوني أختم وأقول مع من يقول وقال لملكنا العظيم الذي حمل عصاه ورحل – وهو في قلوبنا :
( وين رايح .. التفت , سلّم علينا .. ما روينا من حنانك .. ومنك ما أكتفينا).

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *