وقفة مع الإصلاح العربي

Avatar

حسن الشريف

لا أظن المواطن العربي بحاجة إلى أن أسرد له جداول تقرير التنافسية الدولي 2010 حتى يكتشف بأن ثلثي دول العالم العربي إما أنها تقع في النصف الأخير من ترتيب الدول المدرجة في تقرير التنافسية الدولي، وإما أنها لم تدخل أصلاً في الترتيب، أو أن يكتشف بأن أكثر من نصف الدول العربية إما أنها تقع في الثلث الأخير من تقرير التنافسية الدولي وإما أنها لم تدخل أصلاً في الترتيب. ولا أظنه بحاجة إلى كل هذه المعلومات حتى يقتنع بما يعيشه العالم العربي من تخلف لم يكن إلا نتيجة لعدة أزمات كانت ومازالت تضيق الخناق حولنا، وأحسب أنه قد سأم من سماع ما تناوله الباحثون والمفكرون من عوامل داخلية وخارجية كانت وراء تلك الأزمات، ولكن السؤال الذي يتشوّف إلى الحصول على إجابة مقنعة عنه هو، من أين نبدأ في سبيل التقدم والنهضة؟ وبعبارة أخرى: ما هي المنطقة التي إن ركّزنا عليها، استطعنا أن نحدث تحولات كبرى في الوضع الراهن؟
و في سبيل البحث عن الإجابة، قد يظن البعض أن ما وراء تلك الأزمات، هي قلة الموارد الطبيعية أو الممتلكات المادية للمجتمع من شوارع ومباني وتكنولوجيا حديثة وغيرها، أو ما يطلق عليه المفكر العربي مالك بن نبي اسم \”عالم الأشياء\” حيث يقول في ثلاثيته الشهيرة: \”المجتمع يعيش في ثلاثة عوالم، عالم الأفكار وعالم العلاقات وعالم الأشياء\” ولكن الحقيقة التي قد تصدمهم، هي عندما يشاهدون دولة اليابان تنهض من تحت الرماد ليصبح اقتصادها ثاني أكبر اقتصاد في العالم في غضون ستة عقود منذ أن أصابها الدمار في الحرب العالمية الثانية، علماً أنها لا تملك ما يستحق الذكر من الثروات الطبيعية، ثم تظهر لهم هذه الحقيقة مرة أخرى، عندما يشاهدون دولة سنغافورا، تلك الدويلة الصغيرة والتي لا تزيد مساحتها عن 274 ميل مربع والتي تندر بها الموارد الطبيعية، فلا ذهب أسود ولا أصفر ولا أبيض، والتي صنفها البنك الدولي من أقل 40 دولة على مستوى التطور عند استقلالها عام 1965، أصبحت تنافس على المراكز الأولى حسب تقرير التنافسية الدولي الأخير. عندها يتضح لهم بأن عالم الأشياء – رغم أهميته – فإنه لا يعد عاملا حاسما في سبيل تقدم الدول وتخلفها بقدر ما تملكه تلك الدول من رؤوس أموال فكرية. وصدق من قال \” تقاس الأمم بمقدار ما لديها من أفكار\”.
وقد يظن البعض الآخر، بأن إصلاح وتطوير الأنظمة والقوانين في مؤسسات المجتمع وأساليب الاتصال بينها، وهو ما يطلق عليه مالك بن نبي \”عالم العلاقات\” هو حجر الزاوية في عملية الدفع بعجلة النهضة والتقدم، ورغم أنني أؤمن بالأهمية البالغة لذلك، إلا أنني أؤمن كذلك بأن الأنظمة والقوانين مهما كانت جودتها، فإنها لن تؤتي أُكلها إذا لم تجد العقول النيرة التي تتفاعل معها، وتجلّت لي هذه الحقيقة، حينما استغرقت إحدى معاملاتي في إحدى الدوائر الحكومية 4 أسابيع بعد تطبيق نظام الجودة فيها، على الرغم من أنها قبل ذلك، لم تكن تستغرق مني أكثر من أسبوعين!. وهكذا، أستطيع أن أفسر لماذا تتراجع أرباح بعض الشركات بعد أن تطبق بعض الأنظمة كالجودة والتخطيط الإستراتيجي وغيرها.
ونقصد بعالم الأفكار، تلك المعتقدات والمسلمات والأفكار التي تحتويها عقول المجتمع والناتجة عن أنماط ومنهجيات تفكير تتبعها تلك العقول، وكلما كانت منهجية التفكير أقرب إلى الصواب، كلما كان عالم الأفكار لذلك المجتمع أكثر صلاحاً وأسرع نمواً وتطوراً، والعكس صحيح.
ورغم أهمية العمل على نمو وتطوير العوالم الثلاث معاً، فهي في أرض الواقع متداخلة ومتشابكة ولا يمكن نمو أحدها بمعزل عن البقية، إلا أن من يريد أن يحدث قفزات كبرى في مجتمعه يجب عليه أن يولي عالم الأفكار عناية أكبر، فمهما عمل على تطوير وإصلاح عالميْ الأشياء والعلاقات، دون أن يصحبه تطوّر وإصلاح – وبنفس الوتيرة – في عالم الأفكار، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى مزيد من التخلف.ورغم أن هذه النتيجة قد يعتبرها البعض من البديهيات، إلا أننا لا نرى حقائق تجسد ذلك الادعاء على أرض الواقع، بل ساهم معظم النخب – بشكل مباشر أو غير مباشر – في التخلف الفكري العربي عندما يعلو الصراع.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *