وعادت الابتسامة إلى ماربيا ـ ٤ـ

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد بشير علي كردي[/COLOR][/ALIGN]

وتتوالى ليالي السمر، ويجمعنا تراس الشقة في ماربيا عربا وأسبانا لنتبادل الحديث مع تناولنا للطيبات من الطعام، وتبذل رشا جهدا ملموسا في المطبخ لتبدو أمام الآخرين كواحدة من أهل الدار، وكثيرا ما أشاعت أخبار المطبخ وما يجري إعداده قبل وقت تقديم الطعام حتى تغري الحضور بالبقاء والمشاركة في الوجبة التي شاركت أناملها في اعدادها، وتبقى آذانها صاغية ومتتبعة لما يدور بين الحضور من حديث هنا وهناك بالرغم من حركتها المستمرة بين التراس والمطبخ، والتقط رادار أذنيها حديثا بين عدد من الأصدقاء المتقاعدين يدور حول تعذر السفر هذا العام لصديق مشترك لنا، ترك الوزارة وهو وكيل لها، وكان السبب كما أبداه أبو عبدالله هو أن الراتب التقاعدي المحدود والثابت الذي يتقاضاه صاحبنا، وهو مصدر دخله الوحيد، لم يعد يفي بمتطلبات الحياة في عصر الغلاء لزوجين تقدم بهما العمر وفقدا ميزة العلاج على حساب الدولة في وقت بدأت تظهر لهما متاعب الشيخوخة من ضرورة مراجعة الاطباء ومن ثم الصيدليات وفي أكثر من مناسبة دخول المستشفيات وتحمل الفواتير الباهظة .
هنا كان تدخل المشاغبة رشا واستفسارها عن مقدار الراتب التقاعدي لوكيل وزارة متقاعد فأجيبت بأنه يقارب ما يعادل الأربعة آلاف يورو بالريال السعودي، ومنه يدفع ايجار السكن وفواتير الكهرباء والتلفون والجوالين وراتب السائق الفيليبيني وعاملة المنزل الاندونيسية ويسدد فواتير الاطباء الصيدليات واحيانا المستشفيات بحيث لا يتبقى من الراتب الا المبلغ البسيط لتأمين لوازم البيت من طعام وكساء .
استغربت رشا أن يكون في بلد كالمملكة يعيش وكيل وزارة متقاعد في هذا الضيق، وتساءلت كيف يكون عليه حال المتقاعدين من ذوي المراتب الأقل؟ وأين التأمينات الاجتماعية وتكفلها للعلاج ومتطلبات الحياة الكريمة لمن خدموا بلدهم ما يزيد عن الاربعين
عاماً؟ وتضيف رشا بالقول إأن التأمينات الاجتماعية في أسبانيا وكذلك في دول الاتحاد الأوروبي تؤمن العلاج والدواء لجميع المواطنين وأن الرواتب التقاعدية تفي بمتطلبات الحياة حتى في ظل موجة الغلاء التي تجتاح العالم هذه الايام، وإن كانت هناك مشكلة
تشغل بال القائمين على التأمينات فهي الاعداد الآخذة بالازدياد للمتقاعدين بسبب تحسن الأحوال الصحية وتمتع المتقاعدين بعمر أطول من سابقيهم وكذلك ثبات عدد السكان على ما هو عليه في السنوات الاخيرة مما يؤثر سلباً على ايرادات مصلحة التقاعد، وأنه لتدارك ذلك فتحت الدولة أبواب العمل لرعايا الدول التي انضمت حديثا للاتحاد الاوروبي وقبلها للأخوة في الدم من أبناء امريكا اللاتينية للعمل، وبهذا يعوضون عن النقص في القوى البشرية المحلية ويحققون لصندوق التأمينات الاجتماعية ما يحتاج إليه من تغذية مالية تحافظ على حقوق المتقاعدين من مساهمات الوافدين للعمل .
أضافت رشا بأن ظاهرة القلق من مستقبل التأمينات الاجتماعية وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها للمتقاعدين من الآن وصاعدا تسبب قلقا للعديد من البلدان التي لم يزد عدد سكانها في السنوات الاخيرة لاقتصار الاسرة على انجاب طفل واحد أو طفلين، وأعطت اليابان كمثال على ذلك في ضوء الحديث الذي دار بينها وبين الصديق الياباني على شاشة الانترنت، فقد أفادها الصديق الياباني بأن % ٧١ من الرجال والنساء في اليابان يشعرون بالقلق حيال شؤون الحياة اليومية، % ٥٨ منهم يشعرون بالقلق عندما يخططون لحياتهم المستقبلية، % ٤٢ منهم يشعرون بالقلق الناجم عن مستويات الدخل والممتلكات، و٥٠ % منهم قلقون على أوضاعهم الصحية وذلك نتيجة تدهور المستوى المعيشي بسبب الغلاء، وأن % ٧٣ ممن شملتهم هذه الدراسة يطالبون الحكومة اولاً باصلاح نظام التأمينات الاجتماعية بما يشمل الصحة والرواتب التقاعدية بشكل يتناسب وتكهل المجتمع، وتقر الحكومة اليابانية بهذه المشكلة الاجتماعية ووجوب اعطائها الأهمية نظرا لتزايد عدد كبار السن وتناقص عدد الشباب، وثانيا القيام بأخذ تدابير تحد من أزمة الغلاء والارتفاع المتواصل لأسعار المواد وفي مقدمتها المواد الغذائية .
وأنهت رشا مداخلتها بابتسامة واسعة وهي تقول بأن بلدا كالمملكة يحتل رقعة جغرافية مترامية الاطراف تحتها الكثير من الخيرات كالبترول والغاز والعديد من المعادن وفي ودائعها البنكية من البترو دولار الكثير الكثير مع معدل مرتفع للإنجاب يزيد عن عدد السواعد الشابة لا خوف عليه مما يقلقنا نحن في أسبانيا وهناك في اليابان، وان عائدات البترول في السنوات الأخيرة من شأنها ان تستوعب القوى البشرية الشابة في مجالات التصنيع والتعدين، وغادرتنا رشا مهرولة إلى بويرتو بانوس مع وعد بلقاء آخر قريب .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *