وطن احتضننا .. كيف لا نذوب في حبه؟

• بخيت طالع الزهراني

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]بخيت طالع الزهراني[/COLOR][/ALIGN]

** عندما كنا أطفالاً صغاراً في قريتنا \” أنا ومن هم في مثل عمري\” كانت صورة القرية في عمومها لوحة بسيطة لا أثر فيها لأي منجز حضاري، سوى مدرسة مبنية من الطوب والخرسانة ، وطرقات متعرجة لم تعرف الاسفلت، وكهرباء أهلية تتوقف حركة مولدها الوحيد منتصف الليل، ثم يعاود حركته مغرب اليوم التالي ، ومياه قادمة من البئر بواسطة القربة الجلدية ، ومصحة متواضعة تصرف الحبوب وبعض الابر عند اللزوم وغير ذلك لا شيء ، ونساء يلدن في البيوت، ومحال تجارية بسيطة للغاية تعد على اصابع اليد الواحدة، ووداع حار لمن اراد ان ينتقل بين قرية وأخرى مجاورة لها، لأن ذلك معناه سفر طويل!!
** اليوم تبدلت الاحوال رأساً على عقب فأنت في قريتك البسيطة بالأمس، اصحبت تتمتع بالكهرباء العمومية على مدار الساعة، وصرت تحمل \” اللاب توب\” الى المزرعة القريبة عندما تجد أن أمامك ساعة أو أكثر من الراحة، لتتجول عبر الانترنت بين شرق الكرة الارضية وغربها، وتتابع المتغيرات والاحداث ، كما هو الانسان في السويد أو استراليا، أو حتى تشيلي في امريكا الجنوبية، وصرت تفتح صنوبر المياه امام حجرة نومك لتستقبل مياه الشبكة العامة التي وصلت الى معظم بيوت قريتك، وصار النساء ينعمن بخدمات الولادة في مصحات حديثة على ايدي طبيبات متخصصات، وأصبح في مقدورك أن تتناول اقداحاً من الكابوتشينا في مقهى القرية، وبجانبها قطعاً من الهمبورجر، وصار بامكانك ان تشرب شاي العصرية مع صديقك في القرية التي تبعد عشرات الكيلو مترات، ثم تعود تتعشى مع أسرتك فوق صفحة من الاسفلت حتى باب بيتك.
** هذه المعطيات التي توفرت في العاصمة الرياض، هي موجودة أو بعضها في القرية التي تسكنها في اعالي جبال السروات مثلاً، وهي لم تهبط عليك فجأة من السماء، وإنما جاءت بتوفيق ونعمة الله تعالى اولاً، ثم ببركة وجهد ومجهود الدولة، هذا الكيان الشامخ، الذي أقامة وتعب من أجله، وناضل كثيراً حتى توحدت اطرافه ، وقامت أركانه، رجل عملاق، هو بكل المقاييس بطل قومي، وزعيم عالمي، وعبقري فذ، من افذاذ قادة القرن العشرين، هو صقر الجزيرة جلالة الملك الموحد عبد العزيز آل سعود رحمه الله . ولك ان تتخيل لو ان ذلك الزعيم اقتصر على استعادة ملك ابائه الرياض، او حتى نجد ، كيف يمكن ان يكون شكل التكتلات التي كانت ستنشأ في شبه الجزيرة العربية، في شرقها ، وفي جنوبها، في غربها، وفي شمالها؟.
** لكن الله تعالى ألهم ذلك القائد التاريخي لأن يكون واسع الرؤية، وقارئاً شديد القراءة للمستقبل ، ومستشرفاً عبقريا للافق البعيد ، عندما قام في عزيمة لا تلين، وفي همة لا تتوقف وفي جسارة لا مثيل لها في أن يواصل ضم كل ارجاء معظم شبه الجزيرة العربية، لتكون بلداً واحداً ، وامة واحدة ، وصفاٌ واحداً، يشد بعضه بعضا فخيرات شرقه هي لكل ارجائه، ومعطيات جنوبه هي لكل اجزائه، وافضال وسطه وشماله وغربه هي لكل بقعة من بقاعه، ولأن من فضل الله تعالى أن بلادنا متنوعة الطبوغرافيا، ومتعددة العطايا، فقد حدث فيما بين اجزائها حالة فريدة من التكامل والثراء في كل شيء ، واستطاعت وحدة وتوحيد البلاد ان تصهر هذا التنوع في بوتقة واحدة، يغترف منها المواطن السعودي، وجبة وطنية شهية متعددة الاطباق والمذاقات.
** وعندما تحلّ ذكرى اليوم الوطني لبلادنا، يتوجب علينا كسعوديين أن نفهم بعمق معنى ومغزى وأبعاد هذه المناسبة، بمعنى انها ليست مناسبة احتفالية ذات طقوس معينة، نتماهى معها في قصائد وطنية وحسب ، وانما للمناسبة ابعاد أعمق ، فهي تعني أن كل ماهو تحت يدك كمواطن، انما هو ثمرة جهاد عظيم قاده المؤسس، وشاد أركانه، وارسى دعائمه بكفاح طويل وتضحيات عظيمة دامت عدة سنوات، والمناسبة تعني أيضا انك انت وانا مطالبون بأن نكون امناء على هذه الوحدة ، وان نكون اوفياء لجهاد الموحد، وأن نبذل الغالي والرخيص لخدمة هذا الكيان الشامخ من كل عبث المتربصين والحاسدين ، وأن نضع وطننا في حدقات عيوننا، ووسط مهجنا على الدوام.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *