[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبدالحميد الدرهلي[/COLOR][/ALIGN]

موقف وسائل الاعلام الاجنبية من الاسلام جذورها في الماضي وانعكاساتها تغطي الحاضر والمستقبل، ان مواجهة الاسلام للتحديات وحملات التشهير عايشته منذ البداية، من مكة المكرمة مع البصيص الاول للدعوة المحمدية الخالدية الى المدينة المنورة في مراحل تالية، وقد صور لنا القرآن الكريم والاحداث الشريفة الحملات التي واجهها الرسول الكريم بقلب المؤمن الواثق من صدق وصحة وصواب رسالته بوحي من ربه، يقرع الاقاويل الكاذبة بالحجج الصادقة، والافتراء الباطل بالبرهان الصائب، يحاور بمنهج القرآن العظيم: \”ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن\”. تنوعت المواجهات بين قريب حاسد، ومنافق مضلل، ومشرك حقود، وخصم عنيد، وعدو شرير.
وكان الرسول الكريم لا يتهيبها ولا يخشاها يحاورها بالعقل ويدعو الى كلمة سواء، وكم خرج الاسلام منتصرا بعقله في الحوار، كما خرج في مواقف اخرى منتصرا بسيفه في النضال.
وتمر السنون، وتتعاقب الازمنة التاريخية في مشرق امتنا وفي مغربها، والاسلام يعرف المواجهات الدموية في ساحة القتال كما يعرف التحديات العقلية، وحملات التشويه في ساحة الفكر كل زمن بوسائله وامكاناته باعدائه وخصومه بمكارهيه ومضلليه ودعاته للنيل من ارض الاسلام او من قدرات اعجازه، وغاب عنهم ان الله متمُّ نوره، والاسلام بقدراته الموضوعية دين مواجهة، دين تحدٍ، لا يحتمي في مناصر منفصل، وليس بحاجة إلى اقاويل ومتاهات بائعي الكلام، لقد استطاع ان يقضي على مكر الماكرين في مهده بفضل اصوات واقلام علمية نزيهة من قادة الفكر الاسلامي والغربي، انبرت هذه الاقلام للدفاع عن الاسلام المفترى عليه باسم نفس العقلانية لا باسم نفعية او ارتزاق، تبرز ما قدمه للانسانية منذ اشراقه في الكون وعبر مختلف العصور.
لقد استغل المغرضون والمضللون آلام المسلمين ومعاناتهم الحالية بعد تسلط وتكالب الأمم عليهم ليتخذوا من ضعف صنعوه بالمسلمين دليلاً على ضعف الاسلام، مستشهدين بذلك على عدم صلاحيته، ومستغلين بصفة عامة وسائل اعلامهم لتقويم واقع الاسلام الخالد، وتصويره وتصوره من خلال واقع المسلمين المعاصر.
لقد كان سلوك المسلم الملتزم خير رصيد له في المواجهة، وكان اصراره المرتكز على ثقته في رسالته الخالدة امضى سلاح يتحصن به، ومن هنا ننطلق لنتصدى لموقف وسائل الاعلام الاجنبية المغرضة، ونحدد طبيعة المواجهة، وعلينا ان نعلم ان وسائل الاعلام قد تنوعت في ساحات المواجهة الاعلامية، بين سمعية وبصرية ومكتوبة مع عدم اغفال جانب لحساب آخر.
يتضح لنا بعد ذلك الدور العام للاعلام وضرورة التعرف على وسائله، وعلى طبيعة مواجهاتها اولاً، ثم كيفية المواجهة من خلالها بعد ذلك، وهذا يتطلب استيعابا موضوعيا لما يجري حولنا في الأمم المتقدمة ذات اليمين او ذات اليسار من تيارات متباينة في طرقها، ولكن تكاد تكون متفقة ضمنياً في هدفها بالنسبة لحصر الاسلام وحصاره، فكما كان الشأن حين ظهور الدعوة الخالدة وتطويقها من الخارج في محاولة لايقاف مدها من قبل عمالقة عصرها كالفرس والروم، واضعافها من الداخل بالطفيلات والهوامش وصمود الرسول الكريم برجاله الأوفياء لدينهم، صمود الواثق من صحة وسلامة وصواب ما يدعو اليه وصلاحيته نحن اليوم وان اختلفت الظروف والازمنة التاريخية على نفس الحال فضلا على تسلحنا بتجربة امة رائدة رغم معاناتها ونكساتها.
وعليه فخير اعلام لدعوتنا هو سلوكنا واصرارنا ثانياً، المرتكز على ثقتنا في رسالتنا على انها رسالة خالدة لخير امة اخرجت للناس، وتأتي بعد ذلك قضية الوسائل في حد ذاتها، بمعنى امكاناتنا في مواجهة امكانات وسائل الاعلام الاجنبية، وخير سبيل الى ذلك هو نقل المواجهة الى عقر دارهم بخلق قنوات في صفوفهم منهم واليهم، فالدول العربية والدول الاسلامية ولله الحمد لا ينقص بعضها الامكانات المادية، فهي قادرة على تصعيد هذه القنوات القابلة للتعامل مع غيرنا ومعنا حينما ترى في ذلك فائدة مادية لها، وعلينا ان ندعمها بالوثائق والبراهين، ودعوة المفكرين المخلصين ليتحاوروا من خلالها مع الآخرين، وحتى بالنسبة للابواق المرتزقة التي ترتفع تشهيراً بالاسلام يمكن احتواؤها توطئة لإعادة ترشيدها، لتنقلب تشهيرا بمن شهر بنا، لان تشهيرها لا يبنى على اساس، بل هو مبني على العمالة والكسب لا عن قناعة واقتناع، والحرب خدعة.
ولكني نتصدى لوسائل الاعلام المعادية لعروبتنا واسلامنا لابد ان تتوجه الجهود المخلصة ضمن مخطط مرسوم يتخطى مختلف وسائل الاعلام الاجنبية وتعددها. وعلينا تكثيف الاعلام المكتوب بحيث يتناول القضايا الاساسية في الاسلام باسلوب مبسط للغاية ثم تأمين انتشار وتوزيع المؤلفات الاسلامية على اوسع نطاق في العالم، خصوصا المناطق التي تعنينا في الصدارة. هذا الى جانب نشر الابحاث والمقالات الاسلامية والعلمية في المجالات المتخصصة التي تصدر عن مراكز البحث العلمي الشهير في العالم، اما الاعلام السمعي والبصري فغني عن التعريف لما له من اهمية بالغة الآن في خلق رأي عام عالمي او ترشيده او تطويعه.
ثم علينا ان نشجع التسجيلات باللغات الاجنبية عن الاسلام بما في ذلك الحلقات المتلفزة، او المذاعة، والافلام الوثائقية، وعلينا التركيز على القضايا التي تعالج المبادئ والقيم الاسلامية الخالدة وقضايانا الكبرى مثل البر، الاحسان، الحرية، المساواة، العدل، الانسانية، التضحية، الوفاء، وغيرها، ولتأتي عصور الاسلام المشرقة امثلة ونماذج كاشفة، ونحرص على أن تكون هذه التسجيلات عقلانية وموضوعية ومبسطة بعيدة عن الدعاية المفتعلة الرخيصة التي لا تمثل سلاحا للاسلام وانما سلاح عليه.
ان موقف وسائل الاعلام الاجنبية من الاسلام ومواجهته تحتاج منا اولا أن نواجهه على مستوى المسلم في حد ذاته لنجعل منه قدوة وصورة صالحة مقنعة ليدافع عنها، وذلك بالمواءمة بين القيم والسلوك، وبين ما نفعل وما نقول، كما نحتاج بعد ذلك استيعاب شعار التعمق والعمق لا الاكتفاء بتكرار واجترار بعض التعبيرات الانشائية الحماسية التي لا مكان لها في عصر التنوير الفكري وصراحة الحوار والبرهان لنتنازل الدعى والخصم بمنهج الرسول الكريم وصحبه الكرام الموحي اليه من ربه في دستورنا الخالد القرآن العظيم \”واعدوا لهم ما استطعتم\” سواء في ذلك العدة بالعقل والجسد والاصرار على الحق، والتلاحم والالتحام، والثقة في نصر الله لدينه وامته.
مدير عام وزارة التخطيط / متقاعد

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *