شهوان بن عبد الرحمن الزهراني

إذا كان قطار السعودة لم يمض في الاتجاه الصحيح ولا زالت تكتنف طريقه عوائق كثيرة، وهذه حقائق ملموسة محسوسة للمواطن، ولا تستدعي الإشارة والتكرار لأنها ينطبق عليها قول الشاعر:
لقد ناديت لو أسمعت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
بيد أن الأمر الذي لا ينبغي السكوت عنه والسعي في تحقيقه وإبرازه للوجود يتمثل في المطالبة برفع نسبة السعودة في بعض التخصصات الهامة والتي تعتبر حيوية وإستراتيجية، وينبغي التنبه لها والعمل بجدية على رفع نسبة السعودة فيها بشكل ملموس وبتخطيط سريع لا يقبل التأجيل. لأن نسبتها بين الوظائف العامة تعتبر متدنية ومنخفضة جداً، رغم أهميتها وحساسيتها من كافة النواحي. وفي مقدمة ذلك تأتي الوظائف الطبية، لكونها ذات علاقة وطيدة ومباشرة بحياة المواطنين وصحتهم. ومن هنا فإنه من غير المقبول اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وصحياً التراخي والتغاضي عن تدني النسبة في التخصصات الطبية، فالضرورة تستدعي سرعة اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة للرفع من معدلات السعودة فيها لكونها وظائف حيوية وبالغة الأهمية، بل وخطيرة جداً في آثارها وعاقبة أمرها، لو انسحبت العمالة الأجنبية العاملة في هذه المهنة لأمر من الأمور لا سمح الله.
والثابت أن مهنة الطب تعتبر من المهن التي تسير فيها السعودة بوتيرة سلحفايئة بطيئة جداً، ونسبة مخرجات التعليم فيها أقل بكثير مما هو مفترض أن يكون، ولا يوجد هناك أي مسوغ ينهض مبرراً لعدم التوسع في هذه المهنة من خلال الكوادر الوطنية، فينبغي التوسع في قبول الراغبين في الطب، وبخاصة بعد التقدم الهائل في تبادل المعلومات والخبرات وسرعة نقل المعرفة بين الجامعات والمستشفيات الجامعية حول العالم. وإذا كانت هناك كليات أهلية للطب والعلوم الصحية بدأت تشق طريقها في التوسع في قبول الطلاب فإن الغرابة والدهشة تكبر وتتسع علامات الاستفهام، في إحجام الجامعات الحكومية في التوسع في قبول الطلاب في كليات الطب، وتعقيد القبول بشروط مجحفة وصعبة بحق الراغبين في الدراسة في الطب.
إن مسؤولية ردم هذه الفجوة يقع على عدة جهات تتفاوت مسؤولياتها وفقاً للمهام والاختصاصات المناطة بكل منها وتلك الجهات هي:
1- الجامعات وعليها تقع مسؤولية كبيرة حيث أن الاشتراطات في القبول أصبحت شبه تعجيزية، وصعبة المنال، ولا بد من النظر إلى مصلحة الوطن والتنازل عن بعض تلك الشروط المجحفة. لأن من يأتي للعمل من الخارج لا علم للوزارة عن كيفية حصوله على شهادة الطب. اللهم إلا أنه يحمل تلك الشهادة ويمارس العمل فحسب.
2- مجلس الشورى وعليه أن يعد نظام متكامل لهذه المهنة بدءاً بضرورة التوسع في أعداد المقبولين في كليات الطب ووضع ضوابط معقولة وميسرة تفي بالغرض لقبول الطلاب في هذه الكليات وتعتمد على اختبارات تكشف مدى الرغبة الذهنية والنفسية والاستعداد الفكري للانخراط في هذه المهنة وليس مجرد الحصول على معدل مرتفع في الدرجات, لأن ذلك وحده ليس بمقياس على الاستعداد للتفوق في هذه المهنة. ومروراً بوضع حقوق وواجبات الطبيب بعد التخرج وأن يكون المقابل المالي لعمل الطبيب مجزياً ومحققاً لطموحه، وانتهاء بوضع نظام دقيق وصارم للمحاسبة عن أخطائه الطبية.
3- وزارة التخطيط وعليها يقع عبء وضع دراسة مستنبطة من واقع الإحصاءات الأخيرة للسكان والمساكن والتي بكل تأكيد أظهرت فجوة في هذه التخصصات تستدعي سرعة اتخاذ كافة السبل والعمل المتواصل لرتقها، وأن تولي الأمر عناية خاصة لكونه يتعلق بصحة المواطنين وتأمين حياتهم والعناية بهم بعد عناية الله .
4- وزارة الصحة وعليها أن تقوم بتخصيص جزء من ميزانيتها لدعم الابتعاث الداخلي سواء في الكليات الطيبة أو الكليات الصحية للعلوم المساعدة. بحيث يكون الطالب تحت نظرها وإشرافها طوال مرحة الدراسة. وأن تقوم بافتتاح كليات للطب على نفقتها، فلا يعقل أن يستثمر بعض رجال الأعمال في المجال الطبي وهو أقل قدرة مالية وإمكانيات مادية من وزارة الصحة. وتوسع الوزارة في افتتاح كليات للطب ستظهر نتائجه وثماره الطيبة على المدى القريب والبعيد.
لقد ثبت وجود حالات تزوير شهادات في الطب بين العاملين في هذا المجال من الأجانب فضلاً عن أن بعض هؤلاء الأطباء لا تظهر فيهم الكفاءة والمقدرة في هذا المجال فإن السؤال الذي يفرض نفسه الآن ويتردد على الألسن. هل الأطباء الذين يفدون إلينا من كل حدب وصوب كانوا متفوقين دراسيا في مراحل التعليم العام؟ وهل كانوا من أصحاب المعدلات الكبيرة في التعليم الجامعي؟ وفوق هذا وذاك هل هم مجيدون ومتقنون لأعمالهم أم أن مجرد حصولهم على شهادة في الطب جعل العيون والقلوب تهفو إليهم لاستقدامهم واستقطابهم للعمل في مستشفياتنا ومراكزنا الصحية، وكم ظهر على الساحة من حالات كشفت المستور في مستوى بعض هؤلاء؟ فلماذا الثقة في الغريب والتشكيك في القريب؟. أنني أدعو وبإلحاح شديد الجهات المختصة لاتخاذها الإجراءات اللازمة والعاجلة لحل مشكلة القبول في كليات الطب في المملكة ووضع ضوابط متوازنة في المفاضلة لاختيار طلاب كليات الطب والتخصصات الطبية الأخرى، للحد من تسرب الكفاءات والراغبين في هذه المهنة إلى تخصصات لا يرغبونها ولا يميلون لها، ولا تخدم متطلبات التنمية في الوطن فيجبرون على الدراسة في تخصصات دون ميل أو رغبة – مما يتطلب إعطاء أبناء هذا البلد أولوية في مثل هذه التخصصات وإننا لمنتظرون.!
اللهم هيئ لشباب هذا الوطن الخير والنجاح في ظل قيادتنا الرشيدة..
كتبه : شهوان بن عبد الرحمن الزهراني
ص.ب 14873 جدة 21434- فاكس: 6534238
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *