وداعا ً للشراهة
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]إبراهيم مصطفى شلبي[/COLOR][/ALIGN]
في كل ساعة تقذف وسائل الاعلام المرئية والمسموعة بمئات الإعلانات التجارية، ولو قمنا بعمل احصائية بسيطة لوجدنا أن ثمانين بالمائة من هذه الإعلانات مخصصة للترويج للمواد الغذائية،و هذه الإعلانات موجهة بصفة خاصة إلى شعوب الدول الخليجية فكبرى شركات إنتاج المواد الغذائية والمطاعم العالمية تحلم بأن تحظى بفتح خطوط إنتاج و ترويج لمنتجاتها في دول الخليج لأن شعوب دول الخليج تستهلك من المنتجات الغذائية الكثير و بشكل غير طبيعي، كما أن القنوات التلفزيونية تحرص على تقديم برامج مخصصة للطبخ حتى تكون الأكثر مشاهدة لتحظى بأكبر عدد من الإعلانات التجارية، و أصبح من يقدمون هذه البرامج من الطهاة (شيف) هم الأكثر شهرة و تتعدى شهرتهم نجوم الكرة و الفن في عالمنا العربي، لذا فلا غرابة بأن ترتفع أسعار المواد الغذائية و الخضروات ارتفاعاً خيالياً بعضها مبرر و أكثرها مفتعل نظراً لزيادة الطلب عليها مع قلة العرض، و إذا تأملت في الاعلانات التجارية التي تقدمها القنوات التلفزيونية تجد أن الاعلانات ساذجة ومستهجنة فهذا الطفل يتمنى أن يستبدل يوم الثلاثاء بيوم الخميس حتى يحظى بقطعة الكيك لأن الوالدة المحترمة مجدولة لوجبات الطعام على عدد أيام الأسبوع، و ذلك الزوج الذي يتنفس الصعداء لأن زوجته المحترمة غادرت صالة الطعام لتتأهب للنوم حتى يظفر بإلتهام قطعة الجبن وحيداً من شدة شراهته، و ذلك الشاب الذي كاد يصاب بلوثة عقلية لرؤيته قطع الدجاج المشوي و هو في متناول يده،و لعل شركات الإعلانات تستند إلى خلفيات من التراث العربي الذي يصور العرب و كأنهم أكثر شعوب الأرض شراهة، و لعل نوادر أشعب وتاريخ الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك تصور جزءاً من هذه الشراهة،و إذا أردنا أن نؤرخ لتاريخ الشراهة فإنها تعود إلى بداية العهد الأموي حيث فتحت لها الدنيا على مصرعيها بكل نعيمها من الملبس و المأكل والمشرب بعد أن كان الناس في المجتمع المدني في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام يأدمون بالخل والزيت و يتفكهون بالتمر، وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشبع من طعام قط ،و كان يحث المسلمين عند صيامهم بالإفطار على الأسودين التمر والماء و إذا أحببنا أن نستعرض التعريف الدقيق للشراهة وأبعادها و أسبابها ودوافعها نقول الشراهة هي: الرغبه المفرطة للطعام على الرغم من الشعور بالشبع،وذلك لعوامل نفسية وهرمونية تختلف من حالة لأخرى و تحتاج لعلاج مختلف بالتأكيد ، و يمكن أن تستمر حالة الشراهة لفترة ثم تتوقف أو يمكن أن تستمر مسببة أمراضاً متعددة بسبب البدانة.
ومن أسبابها:
الضغط النفسي و القلق و التوتر .
البوليميا «الشراهة العصابي» ( مرض نفسي يتميز افراط المريض بتناول الطعام ثم يقوم بالقيئ).
افراط افراز للغدة الدرقية ومرض جريفز ( افراط افراز هرمون الثيروكسين بسبب خلل مناعي يصيب الغدة الدرقية) أمراض السكري ( النوع الأول و الثاني و سكري الحمل ) أو بسبب نقص مستوى السكر بالدم.
تناول بعض أنواع الأدوية مثل مضادات الاكتئاب و الكورتيزون الذي يضاد هرمون الأنسولين في آداء وظائفه و منها ادخال السكر الموجود بالدم إلى الخلايا مما يجعل الخلايا تنبه الجهاز العصبي لحاجتها للسكر ، فيكون رد فعل الجهاز العصبي أن يزيد من شهية المريض للطعام و يستمر التنبيه و يستمر المريض بالأكل دون أن يصل السكر للخلايا و هكذا. و قد يكون للشراهة أبعاد اقتصادية واجتماعية كالشخص الذي اغتنى بعد فقر أو صح بعد علة محاولاً تعويض مافاته من الحرمان والجوع، فاللهم إنا نعوذ بك من نفس لاتشبع ومن عين لاتدمع ومن قلب لايخشع ومن دعوة لايستجاب لها اللهم آمين.
وعلينا أن نأخذ بالتوجيه النبوي ( نحن قوم لانأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لانشبع )وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً : ( ماملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه )
وقفة:
قال الأديب لطفي المنفلوطي
عجبت لجارٍ لي مات من شدة الشراهة بينما مات جار لنا من شدة الجوع.
[email protected]
التصنيف: