وداعا يا يوسف ، لم تكن الدنيا عادلة معك
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] بقلم: واسيني الأعرج[/COLOR][/ALIGN]
وداعا يا صديقي، فقد كانت الدنيا ظالمة في حق عمرك وموهبتك…
تشاء الأقدار القاسية أن تأخذك في نفس الشهر الذي منحتك فيه الحياة . أمام الموت نستيقظ دائماً متأخرين يا صديقي ، ونظن أن الذين نحبهم معصومون من مخاطره ومزالقه . الحظ الذي حالف غيرك من أصدقاء المعاناة ، لم يكن معك هذه المرة . لم يسعفك سرطان الكبد المفاجئ، حتى لكتابة روايتك الأخيرة عن مرضك التي بدأتها وأنت على يقين أن المرض ليس أكثر من حالة طارئة ، خصوصاً بعدما أوصى الأطباء بزرع فص من كبد يتبرع به آخر ، لكن الموت كان أسبق من كل شيء ، حتى من إجراء العملية الجراحية . أسبق من كل المبادرات ومن احتفالات أعياد الميلاد وأفراحها. لم يتح لك فرصة التمدد على الكرسي القديم ، كما هي عادتك الصعيدية ، في مقهى الجريون Le Grillon، في عمق القاهرة ، في حواشي ساحة طلعت حرب ، ومداعبة جرسون المقهى الذي يركض نحوك : شيشة يا معلم ، كالعادة ؟ شيشة عادة إيه يا ابني ؟ يمزح يوسف. قصدي شيشة تفاح يا معلم ، يرد الجرسون ، أيوه ؟ كده بفم مليان ، صح ، شيشة تفاح وليس شيشة عادة ؟ يمزح يوسف.
لقد كانت السخرية والتهكم هما وسيلته للحياة والاستمرار في محيط عربي ، سياسي وثقافي ، لا يمنح إلا النماذج الممسوخة التي تستحق أن تتحول إلى موديلات للضحك والتنكيت.
لم يكن يوسف أبو رية كاتباً يضاف إلى القائمة الطويلة لكتاب الحساسية الجديدة والوريثة الحقيقية لنجيب محفوظ ، ولكنه كان وجه مصر الجديد روائياً الذي راهن في كتاباته على شيئين أساسيين: اللمسة الشعبية للتيمات المختارة ، التي تنبض بهموم الحارات والبيوتات الشعبية الضيقة التي تعيش مصائرها بقوة وثبات ، على الرغم من اليأس المستشري ، والاشتغال على اللغة التي ليست حالة ثابتة . فقد أخرجها يوسف من البلاغة الفجة وذهب بها نحو مكامنها الإنسانية التي تجعل منها لغة غنية تستمد قوتها لا من المعاني الفضفاضة ولكن من إحراجها للمعنى المتداول . ربما ينطبق عليها مصطلح الكيلاسيكية الجديدة Le new classisisme لأنها لم تبن مشروعها على القطيعة النهائية ولكنها تتأسس من رحم الجهد السابق . فرض يوسف اسمه بقوة في السنوات الأخيرة بعد انتباه النقاد العرب لقيمة إنتاجه الروائي والقصصي ، وحصوله على مجموعة من الجوائز ، كانت آخرها جائزة نجيب محفوظ . الموت لم يسعف يوسف للذهاب بعيداً في تجربته الإبداعية والفنية . فقد توفي في القاهرة بعد شهور من الصراع مع مضاعفات مرض الكبد . ودفن في بلدة ههيا ، بمحافظة الشرقية ، شمالي القاهرة . ولد يوسف محمد شحاتة أبو رية في الثاني من جانفيي 1954، وتخرج من قسم الصحافة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة عام ,1977 وعمل بالصحافة ، قبل أن يتفرغ في السنوات الأخيرة للكتابة ، فأصبح بفضل جهده الأدبي المميز من بين أبرز مبدعي الرواية ، من جيل السبعينيات ، وأغزرهم إنتاجا . من بين ما صدر له : \’\’الضحى العالي\’\’ (قصص) ، \’\’عطش الصبار\’\’ (رواية) ، \’\’تل الهوى\’\’ (رواية) \’\’وليلة عرس\’\’ ، الرواية التي فاز بها بجائزة نجيب محفوظ للإبداع الروائي ، من الجامعة الأمريكية ، بالقاهرة ، عام 2005، والتي ترجمت إلى الإنجليزية . منحته جامعة المنيا ، في صعيد مصر عام 2003، درعها ، في احتفالية : العالم الروائي ليوسف أبو رية ، شملت أعماله الروائية والقصصية . زار يوسف أبو رية الجزائر في سنة 2005، بدعوة من ملتقى عبد الحميد بن هدوقة ، وتعرف على الوسط الثقافي الجزائري . تحدث يومها عن تجربته الروائية وموقعها على الخارطة الأدبية الوطنية. فاكتشف الجزائريون، طلبة وأساتذة وكتاباً ، من المشاركين في الندوة ، اسماً جديداً يضاف إلى ذاكرتهم الأدبية التي توقفت عند حدود الأسماء المتداولة ، وإنساناً بشوشاً تمر كل ملاحظاته من خلال النكتة والسخرية ، التي كان يعتبرها سلاحه لتحمل عالم فج وكاذب من الصعب التأقلم معه .
التهكم كان وسيلته الحياتية ووسيلته الفنية لتمرير خطابه الأدبي الجديد . لم يكن يوسف أبو رية مع القطيعة الأدبية الفجة ولكن مع قطيعة هادئة ، تنبع من عمق موروثها الثقافي ، مؤسسة على قيم إنسانية وأدبية خالدة . فلا شيء يبدأ من الفراغ إلا الفراغ.
عن الخبر الجزائرية
التصنيف: