واشنطن وتسمين المستوطنات

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد السهلي[/COLOR][/ALIGN]

تبدو «الرباعية» هذه الأيام أشبه بمتعهد دولي ينحصر نشاطه في تسويق وسائل نصب طاولة المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ومن الواضح أن اللجنة مقتنعة بأن مصير هذه المفاوضات لا يدخل في حيز صلاحياتها، وأن هذا الموضوع متروك لواشنطن التي تتمترس في منصة إدارة العملية السياسية المعطلة بانتظار أن تدور عجلة المفاوضات مجدداً. وحتى لا يطول انتظارها، لا تبخل الإدارة الأميركية في تقديم الاقتراحات التي تعتقد بأنها تدفع باتجاه نجاح مساعي «الرباعية»، وهي في هذه المرة تعيد العزف على وتر الاستيطان ولكن في نغمة مستحدثة تحرص على أن تقرع جرس الاستيطان بما يكفي للفت انتباه الجانب الفلسطيني من دون أن تزعج مسامع حكومة نتنياهو وتستفزها. ولا نستبعد أن تتوصل واشنطن وتل
أبيب معاً إلى إعداد «طبخة» جديدة تحرصان على تزيينها بالمقبلات التي تراهنا بأنها كفيلة بأن تفتح شهية المفاوض الفلسطيني مجدداً للأخذ والرد بما هو مطروح من «حوافز». الاقتراح الأميركي المستحدث يقول بأن تنفذ حكومة نتنياهو تجميداً جزئياً للاستيطان، على أن يكون هذا التجميد «هادئاً» أي دون الإعلان عنه رسمياً. وفي تفصيل أوسع يشمل التجميد الضفة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، لكن مزيداً من التفاصيل يلغي مبدأ كف يد الحكومة الإسرائيلية عن الاستيطان طيلة فترة المفاوضات التي يجري الحديث عنها. فبحسب الاقتراح الأميركي، يسمح بالبناء الاستيطاني شرط ألا يؤدي إلى بناء أحياء استيطانية جديدة وأن ينحصر في المستوطنات القائمة، وهو ما يلتقي مع سياسة «تسمين» المستوطنات التي اعتمدتها حكومات إسرائيلية متعددة كي لا تلفت الانتباه إلى انتشار الاستيطان عبر البؤر ومشاريع المستوطنات الجديدة. أي باختصار، يلتقي الاقتراح الأميركي مع المناورة التي يستعد نتنياهو لإطلاقها بشأن الاستيطان عندما تحدث عن التفريق بين البناء الاستيطاني العام و«نظيره» الخاص (!) واللافت للانتباه أن واشنطن تحاول أن توحي بأن ما تطرحه يصب لمصلحة الفلسطينيين حصراً، وبأن الإدارة الأميركية، في حال تم تفاهم الطرفين على هذا «المبدأ»، ستقوم باتخاذ خطوات جادة ضد إسرائيل بما في ذلك في مجلس الأمن والتهديد بإلغاء صفقات عقدت بين تل أبيب ودول غربية أخرى، إذا تم خرق هذا التفاهم. المشكلة الأساسية في الحوافز التي تسعى واشنطن وشركاؤها لتقديمها أنها توضع في حقيبة مثقوبة، فكل عنصر من عناصر التشجيع يحمل ضده ويؤدي في كشف تفاصيله إلى عكس العنوان البراق الذي يحمله. فالحديث عن إمكانية توسعة مناطق ولاية السلطة الفلسطينية وامتدادها إلى مناطق (ب) كما يصنفها اتفاق أوسلو لا يشكل نقلة مهمة في واقع السلطة التي تفتقد إلى مد صلاحيتها على مناطق (أ) ذاتها وخاصة في مجال الأمن في ظل الاجتياحات وحملات الاعتقال المتكررة. كما أنه لا قيمة سياسية وعملية لمثل هذه «البادرة» في ظل تعويم الحل السياسي وتجاوز موضوعة حدود الدولة الفلسطينية وربطها بالاعتبارات الأمنية الإسرائيلية، كما أن تل أبيب لا تقدم شيئاً دون مقابل والمطلوب هنا سخاء من فلسطينيين مقابل المكرمة الإسرائيلية عند الحديث عن مستقبل الاستيطان في الضفة والقدس.
والحديث عن إطلاق دفعة أخرى من الأسرى لا تتصل بالمرحلة الثانية من الصفقة التي وقعت مؤخراً، يدخل أيضاً من باب الإغراءات وهي مشروطة بدخول الجانب الفلسطيني مجدداً إلى حلبة المفاوضات. وإذا كانت الحالة الاجتماعية والسياسية الفلسطينية تواقة إلى تحرير المزيد من الأسرى، وهذا طبيعي، فإن التعامل مع هذه المسألة ينبغي أن يتم من زاوية الترحيب بإطلاقهم من غير شروط تلحق الأذى بالحل الشامل والمتوازن للصراع. سبق أن قدمت عروض على الجانب الفلسطيني من أجل العودة إلى المفاوضات وخاصة بعد انفراط عقد المفاوضات المباشرة في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، ولم تلق هذه العروض قبولاً لأنها تجاوزت مسألة التجميد الفعلي للاستيطان وتحديد مرجعية المفاوضات.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *