[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. محمود محمد بترجي[/COLOR][/ALIGN]

تابعنا في وسائل الإعلام فتوى الشيخ محمد المنجد التي ورد بها ((وإذا لم يجد المسلم وسيلة لدفع هذا الظلم عن نفسه إلا بدفع مبلغ من المال لموظف الجمارك فإن هذا جائز بالنسبة للشخص الدافع، أما بالنسبة للموظف الذي أخذ هذا المال فإنه حرام عليه))، ما سبق لا يعنيني بشكل مباشر فهو مجرد مدخل لما أود كتابته، فموضوع\” الرشوة\” قضية تاريخية بدأت مع بداية العنصر البشري وتطورت عبر العصور المختلفة، و\”الرشوة\” حرمتها جميع الأديان لما فيها من إفساد للذمم وتبليد للضمائر بل إفساد للنظام الاجتماعي والإداري والاقتصادي بأكمله وتتفق في ذلك جميع المجتمعات، ولكن عندما نناقش قضية الرشوة كظاهرة في أي مجتمع يجب ربطه بحجم الفساد الإداري، حيث يرتبطان بعلاقة طردية وثيقة فكلما إزداد حجم الفساد الإداري في أي دولة أو مؤسسة إزدادت معه ظاهرة الرشوة فهي مظهر من مظاهر الفساد أو شكل من أشكاله، تكاد لا تراها في الدول الديمقراطية المتقدمة والقائمة على نظام المؤسسات، وتبدأ في الظهور كلما توسعت دائرة البيروقراطية واختفى الدور المؤسسي، فبعض دول أفريقيا على سبيل المثال وفي ظل تفاقم حجم الفساد الإداري والذي يشمل جميع جوانب الحياة وكل المؤسسات ومعظم الأفراد تستطيع أن تفعل ما تريد أو تقرر ما تشاء مادمت قادرًا وعلى استعداد لدفع المقابل.
تلك كانت مقدمة ضرورية حتى نقيس مستوى الفساد الإداري والرشوة في مجتمعاتنا وهي نسبية ومحدودة ولله الحمد،والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا في هذه اللحظة طالب الخدمة أو العميل إذا ما قام بفعل الرشوة وأنه مضطر لها هل يكون مذنبا؟ فرجل الأعمال الذي لديه مشروع بمئات الملايين معطل لفترة طويلة لأنه لم يستلم ترخيصه من الجهة المعنية أو الوزارة الفلانية رغم اكتمال كافة الشروط والطلبات وعدم مخالفته لأي من الأنظمة والقوانين، والمواطن البسيط في ظل هذا الارتفاع الهائل لسعر العقارات والذي تقدم لإضافة طابق لمنزله، ليزوج ابنه البالغ من العمر ثلاثين عاما أو لإيواء ابنته الأرملة هي وأولادها، ونظام المنطقة يسمح بذلك فالعمارة الملاصقة لمنزله تتألف من 6 أو 7 أدوار ربما ينتظر ما يقارب السنتين للحصول على الموافقة وتحت يدي حالات تؤكد ذلك، وغيرها من الأمثلة، فهل هؤلاء وغيرهم إذا وجد من يساعده في إنجاز المعاملة لتخطي تلك العقبات واختصار الزمن وبدون مخالفة للنظام أو الإضرار بالغير مقابل مبلغ معين هل هؤلاء مذنبون، ألم يعطل سيدنا عمر بن الخطاب حد السرقة في عام الرمادة، أليست الضرورات تبيح المحظورات، ألا يستدعي ذلك البحث عن أسباب الرشوة والدافع لها قبل إصدار الأحكام؟ هل الموظف البسيط والذي لديه أسرة وعدد من الأبناء وراتبه لا يكفي لسد جوعهم ويقبل الرشوه هل هو مرتشٍ؟ وهل المواطن طالب الخدمة الذي لم يجد حلا أو سبيلا لخروج معاملته من دائرة البيروقراطية هل هو راشٍ؟ هل واجب علينا إعادة النظر للمفاهيم والأحكام في ظل الأوضاع المعيشية الحالية وبحسب الفقه العمري؟ هل لنا أن نربط بين تعطيل بعض الأحكام وإصلاح الوضع المعيشي؟ وهذا لا يعني مطلقا الترويج للفساد أو الدفاع عن المفسدين.
فاكس 6602228 02

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *