هذا المتميز خلقا وعلما محمد صلاح الدين

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د.نوره خالد السعد [/COLOR][/ALIGN]

بقدر علو مكانته في نفوس أصدقائه ومحبيه ومن يعرفه جيدا , أي يقترب من ذاته الشفافة المتدينة السمحة, وذلك الهدوء في صوته ومخارج حروفه, والتواضع الذي يتعب من يرافقه في المواقع والمناصب . بقدر اعتزازي باني تتلمذت على يديه في الكتابة فقد بدأت كتاباتي الأولى في صحيفة المدينة في صفحة ذات الخمار منذ عام 1393هـ , وكان الأستاذ محمد صلاح الدين يحفظه الله ويمتعه بالصحة والعافية , مديرا للتحرير فكان ارتباطي به شخصيا لمتابعة نشر مقالاتي, منه تعلمت احترام الكلمة قولا وعملا, وتعلمت أن البقاء للكلمة الصادقة النقية بعيدا عن المداهنة وأحمد الله على ذلك فمثله كان ولازال نهرا للنقاء في التعامل وفي التشجيع وفي التقييم, كتاباته تتميز بالبعد الفكري والسياسي الذي يلخص الفكرة في عبارات دقيقة وكأنه يرسم لوحة لا يستطيع من يشاهدها الا أن يتوقف عندها مشدوها, ثقافته ثرية ومطالعاته عميقة يعشق القراءة, ولايتواني عن تزويدي بما يعرف أني أهتم به من كتب أو مقالات أو دراسات. لايذكر أي شخص الا بما يحمل من صفات ايجابية, تماما كالنحلة لاتقع إلا على مباسم الزهور . خلال هذه السنوات الطويلة التي تربطني به فكرا وثقافة وتعلما منه, لا أتذكر أني سمعته ينتقد أي أحد أو يذكر مثالبه, ولاشك أن قامة بهذا الشموخ.. لابد وأن تأخذ مكانها ومكانتها من نفوسنا وعقولنا.
وكما نعرف أن الصحافة عالم متموج ونحن الكاتبات في تلك الفترة لا نعرف عنها شيئا سوى قراءة ما ينشر من مقالاتنا مثلا, أما كواليسها المتخمة بالمتاعب أو بالمصاعب أو الإشكاليات الذهنية وآثارها على سلوك البعض من المتعاونين معها أو العاملين فيها فلا نعرف عنها أي شيء, وكان لابد أن نكون في الجانب الآمن ونحن نمارس الكتابة أو نتواصل مع العاملين فيها في هذا المناخ كان الأستاذ محمد صلاح الدين الرائد الذي أتقن صناعة الكلمة وصقل المواهب وتثقيف العقول, هو المناخ النقي جدا والواضح جدا, وجدار الثقة العالي جدا الذي يتعامل بالفضيلة والمصداقية والوضوح . فكان هذا مؤثر ايجابي أسهم في استمراريتي في الكتابة ثم الإشراف على صفحة ذات الخمار بعد ذلك إلى أن انتقلت إلى جريدة الرياض في منتصف عام 1396 هـ . رغم هذا صلتي الثقافية والفكرية مع أستاذ الجيل لم تتوقف .كان خير ناصح خير موجه وخير معين لي خصوصا أثناء دراستي للدكتوراه وكانت رسالتي عن فكر الأستاذ مالك بن نبي فكان الأستاذ محمد صلاح الدين شفاه الله وحفظه خير من يزودني بما لديه أو يعرف عنه عن هذا المفكر, بل إن آخر ما وصلني منه عن هذا المفكر كان قبل إصابته بالوعكة مؤخرا بشهر تقريبا, كان التواصل بيننا مستمرا فاحترامي له يتماثل مع مكانة الأخ الكبير وعلاقتي بزوجته الأخت صفية باجنيد كانت منحي آخر للارتباط بالعائلة أكثر .
كان ولا يزال كأنه فردا عزيزا من عائلتي فوالدي وأخي عبد الرحمن يرحمهما الله يعرفانه, ويحترمانه جدا وكانا قارئان له مثلي بل لازلت إلى الآن احتفظ بالعديد من مقالاته في زاويته المشهورة ( الفلك يدور ) التي تمثل مخزونا فكريا لمرحلة من تاريخ الأمة الإسلامية من وقائع الأحداث التي تمر بها .
ومن قراءتي لما كتب عنه سابقا وجدت أن ماذكره عنه الدكتور زين العابدين الركابي من أكثر الكتابات التي تجسد خصائصه حيث قال :
( قال لي صديق (مشترك): إني أخاف على الأستاذ محمد صلاح الدين من الأستاذ محمد صلاح الدين نفسه! قلت له ما معنى هذا الكلام؟ قال: إني أخاف عليه من (مثاليته الأخلاقية المفرطة) في هذا الزمن العجيب. فهو صبور في زمن الجزع، متسامح في زمن التعصب، مؤثر على نفسه في زمن مشحون بالأنانيات من كل نوع، معتدل في كل شيء في زمن طغى فيه التطرف، صاحب مبدأ في زمن كثر فيه التلون والانتقال من مبدأ إلى آخر بسرعة تغيير الثياب، يقول رأيه بتواضع شديد في زمن يعجب فيه كل ذي رأي برأيه.. ورجل هذه صفاته وأخلاقه: يُتْعِبه التمسك القوي والدائم بهذه الأخلاق الرفيعة. وهذا مصدر خوفي منه عليه)).
هذه الخصائص أوجدت حوله هذه الأسماء من تلاميذه ومعارفه ومحبيه فهو خير من يتواصل ومن يتواضع ومن يعف في الحديث في زمن استباح بعض غير الأسوياء الفضاء الإعلامي والثقافي. تاريخه في عالم الصحافة والنشر إضاءة في أجندة الوطن .
**دعاء من الأعماق أن يكتب الله الشفاء العاجل لأستاذنا محمد صلاح الدين , وأن يعود إلى الوطن سالما, والى تلاميذه ومحبيه, ويبقي الضوء في دائرة هذه الأرض . وعذرا أستاذنا لتقصيرنا في أداء حقك وواجبنا تجاهك .
أكاديمية وكاتبة

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *