[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. علي عثمان مليباري[/COLOR][/ALIGN]

ليس هذا اسم وجبة جاهزة، ولا ماركة ملابس إفرنجية تتصدر واجهات أسواقنا الفخمة، ولا مسلسلاً تركياً جديداً يدغدغ المشاعر ويقلب القلوب بين المرء وزوجه، لكن «هارلم شيك» الذي أقصده هو فيديو رقص هستيري لأقل من دقيقة يبدأ فردياً ثم ينتهي جماعياً لمراهقين بل وموظفي مؤسسات في العالم خلطوا الجد بالهزل، وبثوها على الإنترنت.
هذا المقطع الفوضوي بدأه مراهقون في أستراليا، وسرعان ما انتشرت عدواه بالاستنساخ والنشر الإلكتروني حتى بلغ 40 ألف مقطع على الإنترنت بكل اللغات، تشترك جميعها في صرعاتها الغريبة من ملابس وأقنعة واكسسوارات عجيبة، وحركاتها بلا معنى ولا هدف سوى ما يراه فاعلوها بأنها مجرد تشويق وتمرد على المألوف، ورحم الله أيام زمان عندما كان الخروج على التقاليد أمراً مستهجناً ومنبوذاً وملفوظاً، بينما اليوم يحدث والأسرة والمجتمع لا يحركان ساكناً، وكلنا رأينا غزو موضات الشعر، وبنطلونات «طيحني» وتقليعات العبايات، ثم فالنتاين، واخيراً وليس آخراً خرابيط «هارلم شيك».
لقد شاهد الملايين مقاطع الفيديو إياها، منهم من ضحك، ومنهم من استهجنها بالقلب وهو (أضعف الإيمان)، وهناك من أسماها فراغ شباب، أو وصفها بالبدع الشيطانية، وأنت عزيزي القارئ سمّها ما شئت إن كنت قد شاهدتها، لكنها في النهاية أغرت بعض مراهقينا وفعلوها في عروسنا «جدة» وانتشرت على اليوتيوب ولاتزال تشعل وتشغل رواد شبكات التواصل الاجتماعي كأنها قضية القرن، ومن المفارقات أن «هارلم شيك» رأيته بالصدفة على فضائية شهيرة، فاكتشفت أنني آخر من يعلم أصله وفصله، فقد سبقني أكثر من 170 مليون مشاهد له في الدنيا الواسعة.
العالم اليوم يشهد جنوناً في الأفكار المبتدعة وأحيانا غير البريئة إذا أخذناها بنظرية المؤامرة، ولم تعد تلك الأفكار تقتصر على جنس أو لون، وهي لا تستثني مجتمعاً، والبركة بلا شك في الفضائيات والإنترنت، والمراهقة إن لم يتم ترويضها بأمان فإنها ستسلم نفسها للجديد والغريب بلا هدف أو رؤية، ولنا في وردة فالنتاين الحمراء جرس انذار، وطالما ظل الغرب يمسك بمفاتيح التقدم ويصدّر لنا منتجاته وأفكاره التي تبهرنا وتشغلنا، فإنه (يقولبنا) في عولمته، وسواء ضحك من ضحك أو سخر من سخر على «هارلم شيك» فإن عدوى جنونها أسرع من انفلونزا البشر والطيور والخنازير مجتمعة، خاصة وأننا نحن العرب نحب التقليد وندمن استنساخ السلبيات، وبعض (ربعنا) يلهث وراء المحظور بدءًا من المسيار إلى شراء الشهادات المضروبة في تخصصات كثيرة لم ينجو منها حتى الهندسة والطب.
ومع ذلك أدعوكم ألا تنزعجوا من «هارلم شيك» ولا غيرها لأنها في النهاية مثل سحابة صيف، ومجرد تجريب للممنوع، سرعان ما يطفو ثم يذهب أدراج الرياح، لكن من الخطر وغير المقبول مخالفة الأنظمة، والاستسلام التربوي للعولمة وتقنياتها وهي تسرق الوعي والقيم بأيدينا ونحن (غافلين مسترخين ومبسوطين).
كاتب وباحث أكاديمي
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *