نَكَبَاتٌ.. في «ذِكْرَى النَّكْبَةِ»

Avatar

[COLOR=blue]عزيز العصا[/COLOR]
نعيش هذه الأيام أجواء إحياء الذكرى الخامسة والستين للنكبة التي تمتد، في عمقها الزمني، إلى ما قبل (15 آيار، 1948). حيث أن ما جرى في ذلك اليوم كان نتيجة لمأساة إنسانية بدأت قبل ذلك بكثير عندما هاجمت عصابات صهيونية إرهابية قرىً وبلدات فلسطينية بهدف إبادتها أو دب الذعر في سكان المناطق المجاورة بهدف تسهيل تهجير سكانها لاحقاً.
ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني كانت النكبة الفلسطينية عملية تطهير عرقي وتدمير وطرد لشعب أعزل وإحلال شعب آخر مكانه، حيث جاءت نتاجًا لمخططات عسكرية بفعل الإنسان وتواطؤ الدول. وعبرت أحداث نكبة فلسطين، وما تلاها من تهجير حتى احتلال ما تبقى من أراضي فلسطين في عام (1967)، عن مأساة كبرى لـ (1,4) مليون فلسطيني تم تشريد نحو (800) ألف منهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، فضلاً عن تهجير، وطرد، وتشريد (66%) ممن بقي منهم داخل نطاق الأراضي التي أخضعت لسيطرة الاحتلال.
وتشير البيانات الموثقة إلى أن القوات المحتلة اقترفت أكثر من (70) مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين؛ أدت إلى استشهاد ما يزيد عن (15,000) فلسطيني خلال فترة النكبة. كما سيطرت هذه القوات على (774) قرية ومدينة من أصل (1300)، دمرت (531) منها.
لقد كان لهذا الوضع المأساوي وقع الصاعقة على أبناء فلسطين، وعلى أبناء الأمة، فانطلقت ثورة في وجه المحتل، توجت بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف) بدعم وإسناد عربيين. وترى المؤرخة الفلسطينية \”بيان نويهض الحوت\” أن النكبة أدت إلى نمو المشاعر القومية؛ لأن تلك الحرب تميزت بعروبتها وبطولتها، فظهرت الشعارات القومية المنادية بضرورة خوض حرب أخرى، وقد عاشت الأمة مع هذه المشاعر والشعارات من عامٍ إلى عامٍ حتى \”النكسة\” في العام 1967م. ويرى \”ماهر الشريف\” أن \”النكسة\” أوجدت الشروط التي سمحت بانطلاق حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة التي جسدت إرادة الشعب الفلسطيني في إمساك قضيته بنفسه، وفي التحرر من الوصاية العربية، وهي حركة سرعان ما تحولت إلى مركز استقطاب لقوى التغيير العربي، التي رأت فيها عامل تثوير للأوضاع العربية.
وهكذا؛ مرت هذه الثورة الفلسطينية في مراحل متعددة من المخاض والولادة انتهت بأن أصبحت \”م. ت. ف\” الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، التي سعت إلى جمع شتاته، وعملت على مأسسة العمل الثوري، وتأطيره، وتوجيهه ليأخذ أشكالاً مختلفة من أشكال المقاومة؛ المسلحة، والسياسية، والعلمية، والاقتصادية… الخ، الهادفة إلى الإبقاء على الارتباط الجذري بين الشعب المشرد وأرضه التي شُرِّدَ منها.
ونظراً للأحوال المتردية التي مرت بها الأمة العربية؛ الناجمة عما قامت به الأنظمة الحاكمة من شَرذمة للأمة وتشتيت لجهودها، وتغلب الهم القطري الضيق على الهم القومي الذي تشكل فلسطين، كما ذكرنا، محركاً هاماً من محركاته، بدأت تنحسر المفاهيم المتعلقة بما كان يُطلقُ عليه الصراع العربي-الصهيوني إلى الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي (وما لذلك من دلالات)، بدأت \”م. ت. ف\” تجنح باتجاه المفاوضات مع \”إسرائيل\” من أجل الحصول على موطئ قدمٍ على الأرض الفلسطينية. وكانت تلك المفاوضات تتم بين \”م. ت. ف\” التي تفتقر إلى العمق العربي القوي المتماسك، والمحاصرة، عربياً ودولياً، وبين \”إسرائيل\” التي تمتلك غالبية خيوط اللعبة ببعديها: السياسي والعسكري المتمثل بالدعم المطلق لها أمريكياً وأوروبياً.
فكانت اتفاقية أوسلو، التي يرى \”جميل هلال\” أنها قد فشلت في إرساء أرضية لتسوية سياسية للصراع \”الفلسطيني-الاسرائيلي\” تتيح إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.
كما أدى ذلك إلى استقطاب حاد في الحقل السياسي الفلسطيني كانت نتيجته الانقسام الذي تخيم غيومه القاتمة على الوطن الفلسطيني منذ ست سنوات.
الآن؛ ونحن نعد أنفسنا للاحتفال بـ \”ذكرى النكبة\” وما يتبعها بشأن \”ذكرى النكسة\” فلا بد من الالتفات إلى أننا أمام نكبة تتعمق جراحها، يضاف إليها عددٌ من النكبات تجتاح أمتنا، التي تشكل عمقنا الطبيعي في السعي للتحرر من نكبتنا واستعادة حقوقنا. فهناك نكبات تعمقت في كل من: العراق، وسوريا، وليبيا أصبحت تهدد وجودها كدول على الخريطة. وفوق ذلك كله تتمثل نكبتنا في أمة متشتتة دون أن تجد من يرعاها ويسوسها لتأخذ دورها كأمة لها دورها بين أمم الأرض.
أما \”أم النكبات\” فهو ما يقول به \”جميل هلال\” في دراسته بعنوان: استرداد الرواية التاريخية الفلسطينية، من أن حكاية التهجير الفلسطينية تواجه عدداً من التحريفاتٍ للتاريخ والجغرافيا ولمكونات الشعب الفلسطيني.
وإذا ما علمنا بأن هذه \”التحريفات\” أصبحت جزءاً لا يتجزأ من خطاب المنظمات الدولية، والخطاب العربي، وكذلك الخطاب الفلسطيني. فإننا سوف نقدر حجم النكبة الحقيقية المتمثلة فيما يراه \”هلال\” إسقاط المسؤولية عن سيرة الظلم التاريخي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني إبان الانتداب البريطاني، وفي العام 1948، والذي ما زال يتعرض له حتى يومنا هذا.
خلاصة القول؛ إن ما ذُكِرَ أعلاه من توصيف، جزئي، لحال الشعب الفلسطيني وللأوضاع التي استقرت عندها قضيته، وما يُضافُ إليه من نكبات نجمت، وستنجم، عما أُطلق عليه \”الربيع العربي\”، أصبحت تهلك الحرث والنسل، قد أدى إلى إضعاف الموقف الفلسطيني في المطالبة بحقوقه بالعودة والدولة وتقرير المصير.
ولكي لا نستمر في الانتقال من نكبة إلى أخرى، ولكي لا نُراكِم المزيد من النكبات، لا بد من التوقف عند واقعنا بالدراسة والتحليل والمراجعة، والتي عندها سنجد أن هذا الانقسام-الكارثة الذي ابتلينا به يشكل جرحاً دامياً يتزايد تأثيره المؤلم يوماً بعد يوم، ولا بد من مراجعة خطابنا السياسي والاجتماعي كي لا يتجاوز حقوق شعبنا المشروعة على أرضه التاريخية، بقصدٍ أو بغير قصدٍ، ففي ذلك كارثة أخرى تستنزف الهمم والطاقات وتضيع الحقوق المشروعة التي لا تنتهي بالتقادم، ولنحشد الجهود والطاقات، ونرص الصفوف لحماية الحقوق التاريخية لشعبنا على أرض الآباء والأجداد.
ولنتذكر، جميعاً، وبخاصة صانعي القرار أن الحقوق الثابتة والمشروعة ليست ملكاً لأحد؛ يمكنه التصرف فيه بالبيع أو المبادلة أو التنازل، بل هو أمانة للأجيال القادمة من أبناءٍ وأحفادٍ وأحفاد أحفاد وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *