[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]سكينة المشيخص[/COLOR][/ALIGN]

الثورات الشعبية على مدار التاريخ لم تكن وليدة الصدفة، دائماً هناك تراكمات ومقدمات تنفجر في لحظة عشوائية وتحدث الحريق، غير أن تلك الصدفة تحدث المفارقة الغريبة والمذهلة حينما تسهم في انتاج الثورة المصرية، صحيح هناك تلك التراكمات والمقدمات ولكن الفعل الثوري لم يكن مقصوداً لذاته، وتلك حقيقة يجب أن التوقف عندها حتى لا نعبرها من أجل صناعة بطولات زائفة وغير مستحقة.
وذات مصر التي لها حضورها التاريخي العميق وحدثت بها الثورة الأخيرة هي نفسها بلد المفارقات والغرائب، وحين نستعيد مشهد دموع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عندما بكى أمام ملايين المشاهدين في الوطن العربي بعد نكسة 1967 فكانت أشهر الدموع في التاريخ الحديث، فالرئيس المكلوم لم يستطع تحمل الصدمة فبكى على الملأ في تمثيلية خطيرة قائلا عبارته الشهيرة (إني اتنحى) فخرجت الجماهير تطلب منه العدول عن قراره هاتفين باسمه. ذات المشهد يتكرر لكن بشكل معاكس تماماً، فبعد اغتيال الرئيس أنور السادات يتولى الرئيس المخلوع حسني مبارك رئاسة مصر بحسب قانون الطوارئ وبعد نحو 30 عاماً يخرج ملايين المصريين الى الشوارع يهتفون باسمه لكن هذه المرة بطريقة معاكسة رافضين بقاءه في الحكم، فالشعب يريد إسقاط النظام، وسقط النظام وهذا السقوط ما هو إلا إيذان بسقوط مصر في مستنقع التفكك المظلم، بحسب اعتقادي.
مصر مقبلة على حرب أهلية مذهبية طائفية ضخمة وما حصل بين قوات الأمن والأقباط مساء الأحد الماضي ما هو إلا دليل على ذلك،وهو ما يجعل المتابع للأحداث غير متفائل بالمصير المصري المرتقب، فبعد انتهاء الثورة وليس نجاحها، لأني مازلت أتحفظ على كلمة نجاح لوصف الثورة، بأن حالة الفوضى التي كانت تعيشها مصر ربما تنتمي لحالة الفوضى الخلاقة القادرة على ترتيب الأوراق وإعادة مجريات الأمور الى نصابها الحقيقي والسليم، ومن واقع مجريات الصراع والانفلات الأمني فإن مصر مقبلة على نكسة ثانية، ولن تستطيع أن تقف على أقدامها مرة أخرى، فالنكسة هذه المرة قاتلة، ولن يبكي مصر أحد سوى محبيها الذين سيقفون متفرجين على ما يجري فيها من عبث وحديث كبير باسم السياسة والوطنية والدين والشعارات التي ما أنزل الله بها من سلطان، بل ربما نضحك من شر البلية، كما ضحك الشاعر أحمد مطر ذات مرة وهو يأسى على حال العرب.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *