من مناقشات تويتر تعلمت أن من يرى نفسه مشبعاً بالفضائل ومنزهاً عن الزلات وفوق قانون هفوات البشر ، أنه أكثر البشر غلظة في التغريد ، وأشدهم قسوة في الاعتراض ، وأشرسهم قولاً وردوداً ، إذ لا يترك أدنى مساحة للتأمل والتفكير فيما لدى غيره ، والسبب في ظني الوهم ، فإن كان متوهماً بكمال فضله فسوف لن يرى غيره سوى ماكينة لإنتاج الرذائل ، وإن كان متوهماً بعلو كعب منصبه فسوف لن يرى غيره إلا قزماً ضئيلاً ، وإن كان متوهماً بنقاء نسبه فسوف لن يكتفي بكونه الأصل وغيره صورة مزيفة ، بل يتعدى ذلك باحتقار كل ما له علاقة بغيره من صفات وعادات وأسماء وأمكنة ، فإن كان ابن قرية لعن المدن كلها ، وإن كان ابن مدينة استحقر القرى والهجر كلها ، باختصار .. الآخر بالنسبة له شر محض ولا يلد إلا كل شر وبغي وفسوق.
هذه النوعية من الناس تسقط عند عتبات عقولهم كل محاولات الفهم والإفهام ، هم يسمعون لكنهم لا يعون شيئاً من دلالات ما يسمعون ، تماماً كلاعب كرة التنس الذي يرسل كرة لخصمه فلا يتفاعل معها الأخير مطلقاً ، إنما يخرج كرة أخرى مختلفة ويرسلها له مدعياً أنها ذات الكرة ! وحينما يتغافل اللاعب الأول عن الأمر مبدياً اهتمامه وتفاعله مع الكرة الجديدة بأن يعيدها له ، كرر ذلك الخصم ما صنعه في المرة السابقة ، أي لا يرد الكرة ذاتها بنفس الطريقة والأسلوب والمنطق ووفق قواعد النقاش ، إنما ينحو منحى آخر ضارباً عرض الحائط كل القوانين والآداب ، لينتهي النقاش بلا شيء ، ومن دون شيء ، فقط تراكمات جديدة من مشاعر الحنق والغيظ والاحتقان المتبادل.
هكذا معظم النقاشات مع المتوهمين بسمو الذات ، والمنخدعين بنقاء المنشأ ، والمنحازين لما اعتادت عليه الأذهان ، لهذا لا أمل – فيما توصلت إليه من قناعة – في اختراق كل تلك الأوهام ، فالوهم ليس مثل الجهل ، كون الأخير يتبدد بالحجة والبرهان ، بينما الوهم ؛ فمصيبته الصورة المتخيلة التي لا تمت للواقع بقشة من صلة ، والتي قد تأتي صاحبها على شكل توهم بكمال العلم ، أو توهم بامتلاك كل الحقيقة ، أو توهم في نسب وحسب لا تشوبهما شائبة ، حتى الفهم الخاطئ يتراءى له على صورة الفهم الصحيح الذي لا ريب فيه، وما عداه تدليس وكذب وافتراء ، فمن كانت هذه صفاته يستحيل التوصل معه لنقطة مشتركة ، لذا فإنني أنصح كل من يضطر لملاقاة هذه النوعية من البشر ، أن يطرح المرء آراءه ولا يعقب عليها ، مستلهماً مقولة الناقد الأستاذ عبدالله الغذامي ” هذا رأيي .. أعرضه ولا أفرضه ” ، أما أولئك الذين يعتدون بأنفسه وهماً وتوهماً فلا أقول لهم إلا ما قال الأديب الراحل طه حسين :” إياك والرضى عن نفسك فإنه يضطرك إلى الخمول، واياك والعجب فإنه يورطك في الحمق، وإياك والغرور فإنه يظهر للناس كلهم نقائصك كلها ولا يخفيها إلا عليك” .
@ad_alshihri
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *