عبدالحميد سعيد الدرهلي

نبتسم عندما نسمع عن مشروع لصناعة السيارات أو الطائرات أو التلفزيونات أو الثلاجات أو البويلرات إلى آخره، فندفع مثل هذه المشروعات بأنها صناعة تجميعية، أي انها تستورد كل أو معظم القطع من الخارج ونعيد تركيبها محليا لنستفيد من الاعفاءات الجمركية، أو الخضوع لنسبة ضريبة أقل مما لو تم استيراد الأجهزة كاملة.
لا عيب في صناعات كهذه حتى لو بدأت باستيراد جميع القطع، فإنها مع ذلك سوف تخلق فرص عمل، وفي مرحلة لاحقة ستبدأ بصناعة بعض القطع السهلة الصنع، ثم تزداد نسبة الاجزاء المحلية تدريجياً وتصبح الصناعة أكثر وطنية وأقل اعتماداً على الاستيراد.
صحيح أن المشروع يجب أن يكون حذراً في صياغة القوانين الضريبية بحيث لا تقوم صناعة لمجرد استغلال لثغرة في القانون والحصول على اعفاءات غير مستحقة، فلا بد أن تكون للمشاريع الصناعية جدوى ولو جزئية من وجهة نظر الاقتصاد الوطني، وأن تعد بالتحول التدريجي إلى المكونات المحلية في المستقبل.
معظم الصناعات الناشئة في البلدان النامية تعتمد كثيراً على الاستيراد، ولكن ما يعتبر في البداية صناعة تجميعية لا يلبث أن يتحول تدريجيا إلى صناعة محلية.
من ناحية أخرى، فإن الصناعات الكبرى في عالم اليوم تديرها شركات متعددة الجنسيات، وتعتمد على أجزاء مصنوعة في بلدان مختلفة ، وذلك اعتماداً على حرية التجارة من جهة، وتوفر الكفاءات أو العمالة الرخيصة أو المواد الخام بدرجات متفاوتة في بلدان مختلفة.وحتى الصناعات الكبرى في البلدان المتقدمة تعتمد إلى حد كبير على استيراد مستلزمات الإنتاج من مصادر خارجية، يكفي القول أن شركة بوينغ الامريكية لصناعة الطائرات تستورد سبعين في المائة من مكونات الطائرات التي نعتبرها امريكية مع أن معظمها في الواقع مصنوع في اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية والبرازيل وايطاليا إلى آخره.
من الطبيعي ألاَّ تبقى هناك صناعة واحدة وطنية مائة بالمائة في عصر العولمة وحرية التجارة، فالاعتماد المتبادل هو الأساس، والقدرة على التنافس تتوجب الحصول على مكونات مختلفة من البلدان التي تستطيع تقديم الأفضل والأرخص بحيث يكون هناك تخصص وتميز في مجالات معينة في كل بلد أو منطقة.يكافح الانسان في هذه الحياة من اجل ايجاد ارضية صلبة يقف عليها تمكنه من العيش الكريم، وأداء رسالة تصنع حاضره ومستقبله مستمدة من دوره القائم على جهده الذاتي، وبالتفاعل مع محيطه الذي هو في الحقيقة وطنه، بقناعة متبادلة تتحول إلى علاقة خاصة تساهم بالحفاظ على كليهما الوطن والإنسان.والانسان السعودي الذي عاش على هذه الأرض منذ القدم، وبنى واشاد وترك بصماته الظاهرة على هذه الربوع انما يحكي اسطورة تاريخ مشرق، وعمل شاق ومسيرة طويلة.
ولا شك أن مضاعفة الجهود وبذل التضحيات سيزيل العثرات من امام المسيرة الموحدة من الرابطة الوطنية، والانتماء المطلق للعمل العام بما تحمله في طياتها من بوادر النجاح والازدهار، والصمود على مدى الأيام.والمملكة العربية السعودية التي احرزت هذه السمعة الطيبة ، والسجل النظيف في جميع الاوساط الدولية والاقليمية والمحلية لتستحق الثناء والتقدير وبالغ الاحترام.
مدير عام وزارة التخطيط/ متقاعد
فاكس 6658393

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *