نظريات «المظهر» الاجتماعي .. الحديثة !!

Avatar

[COLOR=blue] مصطفى فؤاد عبيد[/COLOR]

بالرغم من أن العقود الماضية بكل ما تحمله من سلبيات في الثقافات
السائدة آنذاك أدت إلى نشوء مقاييس اجتماعية \”قديمة\” نسبياً دفعت الكثير من الطلاب إلى التوجه لدراسة بعض التخصصات العلمية التي تتوافق مع ميول الأهل أو كونها تحظى باحترام وتقدير أكبر من وجهة نظر بعض المجتمعات والتي قد تكون بعيدة عن ميولهم أو لا تتناسب مع قدراتهم الحقيقية ومن باب حجز المكانة في المجتمع أو لأي سبب آخر مادي أو معنوي وفق تلك الثقافات، إلاّ أن ذلك الأمر كان له أثراً صحياً بشكل ما في تعزيز مكانتنا وقدراتنا في بعض المجالات، ولكنها من جهة أخرى أثرت بشكل سلبي وتسببت في خسائر لحقت بنا نتيجة الابتعاد عن تخصصات علمية أخرى كالرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم الطبيعية أو حتى التخصصات الأدبية، حتى أننا نستطيع أن نلحظ ذلك من خلال ندرة التحاق أوائل الثانوية العامة في أي من تلك التخصصات سنوياً حتى أنها تكون حالة مثيرة للاستغراب إن حدثت، والغريب أن تلك التخصصات هي التي أسست وساهمت في كل ما توصل إليه العالم الآن من تطور في هذا العصر أكثر من أي شيء آخر، العصر الذي نحاول جاهدين اللحاق به أو حتى استنساخ مقتطفات منقوصة من منظومته المتكاملة من خلال تخصصات مجزأة في الوقت الذي انصهرت فيه كل العلوم مجتمعة لدى علماء الغرب لإحداث هذا التطور، وهو نفسه ما كان يُميز العلماء العرب في العصور السابقة عندما وضعوا اللبنة الأساسية لكل العلوم.
وفي ظل تطورات هذا العصر الحديث ومنظومة العولمة بكافة مكوناتها وأدواتها الاستهلاكية المتشعبة والمتكاثرة، بدءاً من انتشار الفضائيات وانتهاءً بالتشابك والتواصل المجتمعي الحديث والعُري الإليكتروني العالمي، تغيرت الكثير من القناعات لدى العديد من الفئات في مختلف المجتمعات، وبخاصة تلك التي كانت تعاني أصلاً من السلبيات في مقاييس المكانة الاجتماعية بحسب ثقافاتها، بحيث أدى هذا التغير إلى خلق توجهات ودوافع جديدة أسست لما يمكن أن نطلق عليه \”نظريات المظهر الاجتماعي\” بثوبها الحديث الذي يتناغم مع متطلبات هذا العصر، ومن أهم ما ترتكز عليه هذه النظريات \”الحديثة\”، بل وأخطرها على الإطلاق، هو ما يتعلق بمسألة الشهرة تحديداً، وهي تشبه في ذلك الدوافع التي دفعت الطالب الذي لا تناسبه كلية الطب مثلاً أن يدخلها حتى وإن صدف وأصبح طبيباً متميزاً بالفعل أو استمر كموظف يؤدي أعمال تكاد تكون روتينية وتاهت إمكاناته العلمية أو الأدبية الحقيقية في متاهات الوظيفة.وأية شهرة في هذا العصر مقارنة بالعقود السابقة، إنها شهرة أكثر سرعة وجاذبية وبنكهة العولمة الممتدة والمترامية الأطراف في كل أرجاء المعمورة، فاقت بكثير الشهرة التي كانت تسمى عالمية في العقود السابقة والتي كانت، مثلاً، تستلزم سنوات من العمل والإبداع لأفضل الممثلين لكي ينال فرصة المشاركة في فيلم عالمي قد لا يشاهده إلا بضعة ملايين من الأجانب أو سنوات من اللعب المُجهد للاعب كرة قدم فنان يطمح للاحتراف الدولي في أحد نوادي الدرجة الثانية في دولة نامية ويحظى بشهرة محلية فيها وقد تنقطع أخباره في بلده، أو حتى عقود من العمل الإبداعي لطبيب جرّاح استطاع التفوق على نظراءه في الغرب وهاجر لشحّ الإمكانيات!!
وإذا كنا بصدد إيجاد حلول لما يمكن أن تؤول إليه الأمور قبل أن تتمدد هذه النظريات الحديثة وتنتشر أكثر في المجتمع، فيقتضي الإنصاف ألا نحمّل كل المسئولية على المهرولين نحو الشهرة فقط، فهذه ظاهرة تسبب بها المجتمع ككل وتقع المسئولية على جميع مكوناته وفئاته التي تساهم في تأسيس نظريات المظهر الاجتماعي الحديثة وفق مؤشرات لثقافات تستشري فيه يومياً وتُشجع على الاتجاه نحو تلك التوجهات بمختلف أشكالها، بالرغم من أنها قد تكون نتيجة لأعمال بعض المبدعين الحقيقيين وبجدارة عندما يكتشف إمكاناته ويوجهها التوجيه الصحيح بعيداً عن تلك النظريات، ولكن ينبغي أن لا تكون الشهرة هدف بحد ذاته يضحي من أجلها الطالب بالتعليم مثلاً ليقوم بما لا يناسبه فقط سعياً لها.
إن المجتمع بكل مكوناته وتشعباته، مُطالب اليوم بأقصى درجات التعاون والعمل بصدق على تغيير نظريات المظهر الاجتماعي من جذورها عن طريق تشجيع وتعزيز قدرات الأجيال القادمة علمياً وثقافياً بشكل شامل تنصهر فيه كل أشكال المعرفة وبطريقة تؤسس لتوفير الأدوات المعرفية الرافعة ومن ثم استكشاف القدرات الذاتية والإمكانات والإبداعات الحقيقية لديهم والنقد البنّاء لها وتوجيههم التوجيه الصحيح والمناسب لهم وللمجتمع، حتى وإن كان إلزامياً، كما أننا مطالبون الآن بنشر ثقافة احترام وتقدير التخصصات والوظائف والمهارات والمهن مهما كانت بسيطة ومغيبة فهي جميعاً أساس بنية المجتمع ولا غنى عنها وكذلك تقدير العلم والعمل والإنجاز أكثر من تقدير الشهرة أو العائد المادي المترتب عليه، وتنشئة وتربية الأجيال على هذه الثقافة والابتعاد عن التمييز الأجوف وأساليب الكيل بمكاييل ركيكة، مادية أو معنوية، ساهمت على مر العقود السابقة في توجيه وتكديس عدة أجيال في تخصصات ووظائف قد لا ينتمون لها فعلاً وأفادت المجتمع ولكن هذه المرة، وفي هذا العصر تحديداً، سوف تساهم في التوجيه نحو تكديس أجيال يهرولون نحو تقليد ما لا ينتمون له ولا يُعبر عن إمكاناتهم أو إبداعاتهم الحقيقية ولا يُستفاد منه إطلاقاً، أو حتى نحو ما لن يُحمد عقباه عاجلاً أو آجلاً!!

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *