إبراهيم معتوق عساس

يبدو أننا قد أصبحنا في الزمن الذي يضيع فيه الصادقون ويجد فيه الكذابون مسافة واسعة من القبول والإنصات عند من يكذبون عليهم، وأصبحت عبارة لا ادري ترفع من قدري عند فئة الكذابين ومن يشجع إليهم معكوسة، هكذا لا أدري تخفض قدري، وعلى هذا الأساس فقد أصبح معظم الناس يدعي أنه مطلع على كثير من المعلومات وأنه محفظة أسرار وصندوق معلومات يمكن له فتحها وتزويد المستمعين بما فيها من معلومات هي في حقيقتها مجموعة من الروايات التي صنعها خياله أو التوقعات التي لا أصل لها ويشجعه على ذلك إنه يجد شريحة كبيرة من المجتمع ترتاح إلى سماع تلك القصص والروايات التي لا أساس لها من الصحة ولكن مما يكسبها روعة وثياب المصداقية لدى المستمعين انهم ينصتون لها باهتمام وحرص وربما جارى بعضهم المتحدث بالتأكيد بأنه سمع الرواية نفسها من مصادر موثوقة بطريقة \”خشوني لا تنسوني\” فيدعم الكذوب كذوب آخر وقد ينضم إليهما ثالث ورابع وخامس حتى لا يبقى أحد في المجلس إلا وله نصيب من الروايات الملفقة وتتكون بذلك حلقة كبيرة.
وقد تصل رواياتهم المختلفة إلى دائرة مماثلة يقودها آخر فيروي على أساس أنه سمع وشاهد وأعجب ما في هذا الأمر أنه لو صادف وجود انسان غير مستعد للمشاركة في مثل هذه المسرحيات الساقطة والتآليف الكاذبة ووجه إليه سؤال عن معلومة معينة وصارح من سأله بأنه لا يدري ولا يعلم الشيء في هذا الشأن فإن السائل أو السائلين ينظرون إليه نظرة ازدراء ونقص واتهام له بأنه يخفي ما لديه من معلومات عنهم ، أي أن فرض الاختلاق قد أصاب بعض الناس حتى أصبحوا لا يرتاحون إلا لأمثالهم ولا يتوقعون وجود رجل لا يقول شيئا مختلقاً ولا يرتاحون إلا على نغمات الروايات الملفقة والمختلفة على طريقة \”يحكى أن\” وهي امتداد لشركة \”يقولون ويقولون\” دون أن يعرف أحد من هم الذين يقولون التي تطورت وأصبحت تجعل بعض الناس يمارسون ذلك دون حياء ويترددون المجالس والمناسبات وهم يروون الاكاذيب والبطولات التي ليس لها من الأول حتى الآخر شيء من الصدق، إنما هي نتاج لخيالاتهم المريضة وشعورهم.
ولذا فإن على الإنسان الصادق العاقل الذي يريد أن يحافظ على مافي نفسه من صدق وما في أخلاقه من استقامة، أن يترفع عن مجالسة أو ارتياد مثل هذه الحلقات حتى لا تألف أذناه على \”السمك المقلي\” فيصبح مع الأيام يتلذذ بها فلا ينام ليلة إلا طرقت أذناه مجموعة من الأسماك المقلية، أما الرجل الحق فإن عليه أن لا يأبه بما قد يقوله من لا تعجبه كلمة لا أدري، لأن نصف العلم \” لا أدري\” وهي فعلا ترفع من قدر من يقولها من الصادقين والله الهادي إلى سواء السبيل.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *