[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. عبد الستار قاسم[/COLOR][/ALIGN]

إذا تفحصنا هذا العالم، نرى أنه لم يعد هناك مكان واسع للكيانات الصغيرة، وأن الأمم والدول تتجه نحو التكتل بخاصة فيما يتعلق بالأمور السياسية والاقتصادية والأمنية خدمة لمصالحها حتى لو أثر ذلك قليلا على سيادتها. وإذا كان للعرب أن يصغوا لمقولات التقسيم والانشطار فإنهم سيزدادون ضعفا على ضعف، وسيغامرون بتعريض أنفسهم للمزيد من الاستنزاف المعنوي والقومي والأخلاقي، وسيشجعون الأمم الأخرى على المزيد من التطاول عليهم ونهب ثرواتهم والانتقاص من مكانتهم. ولهذا لا بد من التفكير معا في كيف نخرج نحن العرب من حالة التفرق والهوان.مر على العرب زمن كان يتوارى فيه كل شخص له موقف ضد الوحدة العربية، وكانت مسألة الوحدة القضية الأولى التي تزاحم أبناء الأمة على تمجيدها. .ذلك زمن قد مضى، لكن النفوس ما زالت عامرة بالفكرة.سبق لقادة عرب أن حاولوا تجسيد الوحدة العربية، لكن الهدف بقي بعيد المنال. لقد بذلوا جهودا كبيرة في صناعة الشعارات، لكنهم طالما ناقضوا أنفسهم واتبعوا سياسات تمزيقية.
أصبحت الوحدة الوطنية لكل دولة عربية في مهب الريح، وانقسم الفرد العربي على نفسه وهناك من يشعر باليأس الوحدوي نتيجة الصراع الدائر في عدد من البلدان العربية التي شهدت وتشهد حراكا سياسيا شعبيا، ويرون أن ذلك الحلم الوحدوي العربي قد تبخر تماما، وأن الأقطار القائمة حاليا ستنشطر إلى عدد من الدويلات. والإعلام الأجنبي يغذي هذا اليأس، ولا ينقطع عن الترويج لخرائط جديدة للدويلات المتوقعة. أما الإعلام العربي فيقوم بدور التابع عن حسن أو سوء نية، ويشرح للعربي ويلات التقسيم القادمة. هذا شبيه بالحملة الإعلامية الضخمة التي قادها إعلام الغرب ومفكروه ومثقفوه ومراكز دراساته ضد الوحدة العربية في خمسينات وستينات القرن الماضي على اعتبار أنه لا يوجد ما يجمع بين العراقي والمغرب، وبين السوداني والسوري، الخ.هناك جهود ضخمة تبذل الآن لتمزيق الوطن العربي بالمزيد، جهود حثيثة يتم توظيفها لإشعال الفتنة. بعض الدول وإسرائيل لا ينفكون يزرعون الفتن والأحقاد والضغائن. لكن هذا كله لن ينجح.
كنا نهتف للوحدة في السابق بدوافع وجدانية،لكننا الآن نطالب بالوحدة عن وعي ومعرفة، ولدينا حصيلة معرفية واسعة حول أساليب اللف والدوران، وإيهام الناس بأن الخير قادم. الأحداث الدائرة على الساحة العربية الآن تساهم برفع درجة الوعي لدى الإنسان العربي، وهو وعي يدفع العربي ثمنه الدم والممتلكات. غياب الوحدة العربية سبب ظلما كبيرا لأنه حال دون إمكانية التقدم والبناء ومواجهة مختلف التحديات. الآن العربي فاعل على الساحة، وليس مجرد رقم إحصائي ملقى بالشارع وهو سيكون فاعلاً في صناعة مستقبل الأمة. التآمر على الأمة قائم وموجود، لكن التآمر لا يتغلب على الوعي قطعا. لم تعد الوحدة العربية مجرد انطباع وجداني، وإنما هي آخذة في الترسخ في الوعي العربي.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *