[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]فيصل الدابي[/COLOR][/ALIGN]

ذات يوم، كتبت مقالاً نقديًا ساخرًا بعنوان\” نحن قوم لا نقرأ وإذا قرأنا لا نفهم\”، مفاده أننا لا نقتني المكتبات المنزلية، لا نجهد أنفسنا بالاطلاع الشاق على أمهات الكتب العلمية والأدبية، نكتفي بالتصفح السهل للجرائد اليومية والإنترنت، ونتفاخر بأحدث موديلات السيارات والموبايلات لا بالمعلومات الإيجابية التي تشكل إضافة جديدة لمفاهيمنا العقلية، وحينما لم يصلني أي تعليق من أي إنسان اعتبرت ذلك الصمت الجماعي بمثابة إقرار عام بعدم رغبتنا في القراءة والفهم وأصبت بحالة من الإحباط الثقافي الشديد إلى درجة أنني فكرت في الدخول في إضراب مفتوح عن القراءة والفهم أيضًا!
فجأة، ومن غياهب الإنترنت، وردني نقد جريء من طالبة جامعية افتتحته قائلةً: مقالك مميّز ولكنني لم أجد فيه أي تحفيز إيجابي، وهذه هي المشكلة الأصعب، فماذا لو كان عنوانه \”نحن قوم نقرأ ونفهم كل شيء\”؟، وماذا لو ركز المقال على نقد الحال القديم المؤسف واقترح حلولاً عملية محددّدة لإصلاحه؟! أرجو إعادة النظر في رأيك إذا كان نقدي مقنعًا، واستطردت الطالبة الجامعية قائلة: هناك حقائق موضوعية أخرى يجب وضعها في الاعتبار قبل القفز إلى استنتاجات سلبية عامة وهي: إن عادات القراءة التقليدية التي كانت سائدة لدى آبائنا قد تغيّرت الآن بشكل أساسي وحدث انتقال من الكتاب الورقي إلى الكتاب الإلكتروني وهذا الجيل الناشئ قد أسس عادات إطلاع إلكترونية جديدة عبر الاطلاع على الإنترنت والآي باد ومشاهدة القنوات الفضائية، والمحصلة النهائية هي أن معرفة الصغار في جيلنا الحالي قد تفوق معرفة الجامعيين في الزمن الماضي، كذلك نجد أن وسائل التعليم والتعلّم بالنسبة للأجيال الحديثة قد تغيّرت إلى حد كبير فالاطلاع عبر مفهوم الخارطة الذهنية، القائم على فكرة مزج التعلّم بالتسلية وإشراك الجزء الأيمن من المخ المختص بالخيال والإبداع مع الجزء الأيسر من المخ المختص بالمنطق والحساب، قد وفّر على الطلاب والمعلمين كثيرًا من المجهودات الشاقة التي كان يتطلبها الأسلوب القديم القائم على التكرار والحفظ، ولعلك تدرك أن ثورات الربيع العربي التي غيّرت كثيرًا من المفاهيم السياسية والثقافية المحلية والدولية قد نبعت من شباب يتحرّكون ثقافيًا عبر الفيس بوك وتويتر واليوتيوب وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي والمعرفي المفتوحة التي لا تحدّها حدود، فهل يجوز لنا أن نبخس كل هذه الإنجازات الثقافية الشبابية ونقفز إلى استنتاج عام مفاده \”نحن قوم لا نقرأ وإذا قرأنا لا نفهم\”؟!
لم أكن أرغب في التعقيب على النقد أعلاه نظرًا لقناعتي التامة بصحة مشاهداتي الميدانية، لكنني شيئًا فشيئًا بدأت أستكشف الحقائق الجديدة من أقرب الأقربين لي وهما ابني وابنتي، فقد شاركا في إحدى المسابقات المدرسية وفوجئت تمامًا عندما أحرز ابني المركز الأول وأحرزت ابنتي المركز الرابع لأنهما لم يكونا من هواة الاطلاع الورقي بل من هواة تصفح الإنترنت والآي باد ومشاهدة التلفاز، وحينما سألتهما بدهشة عن كيفية تمكنهما من تحقيق معجزتهما الصغيرة، ردا بسرعة: كل المعلومات موجودة في الإنترنت والآي باد وسبيس توون؟! لم أفهم شيئًا، لكن يبدو أن الواقع قد تغيّر كثيرًا دون أن نشعر بذلك وأن لدينا أجيالاً ناشئة تستطيع أن تغيّر العالم بقوتها المعرفية المكتسبة من مصادر إلكترونية لم نتعامل معها نحن إلا منذ وقت قريب وأن هذه الأجيال تقرأ وتفهم كل شيء لكن بوسائل جديدة لم نألفها نحن بأية حال من الأحوال!

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *