نحن السعوديين .. لو أنصفنا هذا العالم ؟

• بخيت طالع الزهراني

[COLOR=blue]بخيت طالع الزهراني [/COLOR]

من المفارقات اللافتة , أن العالم يظل يتحدث كثيرا وطويلا عن الدولة التي تستضيف بطولة كأس العام لكرة القدم \” المونديال \” .. بأضعاف ما يتحدث عن استضافة السعودية لمناسك الحج , مع إن مستضيفي كأس العالم يتناوبون على احتضان ذلك المحفل الدولي الرياضي , كل أربع سنوات في بلد غير البلد الآخر .بينما موسم الحج بكل استعداداته وتكاليفه وجهده وزخمه العالمي , نظل نحن السعوديين لوحدنا نحتضنه كل سنة وليس كل أربع سنوات , اضافة إلى أن المونديال لا يشهده كحضور في الملعب سوى مئات الألوف , ثم هم يتفرقون بين حوالي أربع مدن متباعدة . فيما نحن السعوديين نستقبل الحج في مكة المكرمة لوحدها , ولحشد قوامه من مليونين إلى ثلاثة ملايين إنسان , ثم ننظم هذا الحشد , ونتابع تدفقهم إلى واد واحد لثلاثة أيام كما هو الحال في مشعر منى , ولليلة واحدة في مشعر مزدلفة , وليوم وشيء من الليل بمشعر عرفات .
الواضح الآن أنه قبل المونديال تُهلل كل وسائل إعلام العالم للبلد المستضيف , وتتوسع في عرض ما بذله من جهود وحسن تنظيم , ثم يصل الحديث ذروته صباح وليلة افتتاح المناسبة , مرورا بأيامها التي تستمر شهرا من النقل الإعلامي المذهل , اما عندما يصل الأمر إلى ليلة المباراة النهائية وحفل الختام فإنه يصبح حينذاك حدثا دوليا مدويا .
بينما نحن هنا في السعودية لا نحظى بنصف تلك الحفاوة الإعلامية , ولا حتى بثلثها ربما , وبما يرافقها من \” الفرقعات \” الصحفية الهائلة , مع أن الفرق عظيم بين هناك وهنا بكل المقاييس , سواء في حجم الجهد المبذول , أو في حجم التدفق البشري , أو في طبيعة مكان الحدث , أو في حرفية الالتزام بالزمن المحدد – باعتبار الحج – عبادة لا تقبل الخيارات المكانية أو الزمانية التي قد يفاضل بينها احدنا لو رأى زحاما .
الجهد الذي نقدمه نحن السعوديين في الحج لا يمكن لأي منصف في هذا العالم إلا أن يقف أمامه طويلا , ليس واصفا ولا ناقلا ولا متحدثا وحسب , بل مذهولا حتى أقصى درجات الذهول , ومحترما له إلى أبعد درجات الاحترام , ورافعا القبعة حتى عنان السماء ثناء وإعجابا به .. ولابد أن يسأل نفسه أكثر من سؤال عفوي.
كيف يمكن لهؤلاء السعوديين أن يستوعبوا كل هذا الجحافل البشرية , ثم بعد ذلك يديرون حركتها في تناغم وانسجام ليس له نظير على مستوى العالم , تناغم لا يقبل أدنى درجات السهو أو الخلل , وإلا فان معناه كارثة ستحدث .. وانسجام لا يحتمل أية غفلة أو خطأ وإلا فإنه ستكون ضجة كبيرة , ثم بعد ذلك نقدم للعالم المناسبة على طبق من ذهب , وبدرجة نجاح ممتازة مع مرتبة الشرف الأولى .
وأكثر من ذلك يظل نجاح السنة السابقة لا يرضي كل طموحنا , ولا يمنحنا القناعة التامة بالسعادة الكاملة , فنظل نجاهد لتحقيق نجاح أكبر , وتفوق أوسع , وتقدم أعلى في السنة القادم , كأنما قدرنا أن نتحدى ليس أنفسنا فقط , ولكن أن نتحدى – التحدي نفسه – في قصة انجاز عالمية خالدة , تكتب بماء الذهب من قصص كفاح الإنسان السعودي , مع شرف المهمة بكل معطياتها ومتغيراتها ومفاجآتها .
صحيح أنه في يوم عرفة المهيب بكل حشوده وظروفه وتحدياته , ينفتح علينا الإعلام العالمي لساعات , ثم ينسل دون أن يروي القصة كاملة , ودون أن يسجل الحدث بدقة , وبغير أن يقدم ما وراء الحدث .. الإعلام العالمي يرى المناسبة وكأنها اجتماع تقليدي لبضعة ألوف من البشر يمكن لأي أحد أن يديرهم , بينما تظل الحقيقة غائبة , حقيقية ذلك الجهد الخرافي الذي تم ويتم تسخيره لإدارة أكبر حشد تشهده الكرة الأرضية , يتقاطر على جنباته الملايين من البشر في أصغر بقعة , وفي أقل وقت ..
ثلاثي مهيب ( الحشود , صغر المكان , ضيق الوقت ) .. ثلاثي يتعامد معا ويتلازم ولا ينفك , ثم تتم إدارته وتحدي ظروفه , والتحليق به في سماوات من دهشة النجاح المدوي .
ملك البلاد .. يكون سنويا على بعد أمتار قليلة ملاصقا للحدث , يحمل في كفيه بوصلة تحريك الحشود , فهو على مدار الساعة يراقب , يتابع , ويوجه .. والقيادات الكبيرة في الدولة تتناثر في ميدان المناسبة , وسط غابة البشر , وتواصل الليل مع النهار مشغولة بتحريك الحشود , وتذلل الصعاب , ونرى عشرات الألوف من العناصر الميدانية تنهمك في تنفيذ خطة إدارة الحشد , وفق برنامج غاية في الدقة , وضمن تناغم مذهل من تمرير الأوامر بحنكة فريدة من هذا لذاك .
السعوديون يفعلون كل ذلك وليس في أذهانهم الانشغال بأن يهلل العالم لنجاحهم , ولا لأن يوضح تفردهم وعبقريتهم , بل إن ما في أذهانهم وما يشغلهم هو فقط إرضاء ربهم سبحانه وتعالى , الذي أكرمهم بشرف أن يكونوا خداما لضيوف بيته العتيق , وحرمه الشريف من العمار والحجاج , فان قال أحد كلمة ثناء وشكر فان ذلك من عادة النبلاء المنصفين , ومما يكون من خصال المؤمنين الذين يقتفون \” من لا يشكر الناس لا يشكر الله \” .. وان انحبس عنها فان شكر الله تعالى هو غاية المقصود .
ومن يدري فلعل اطلاعة من المولى عز وجل على تلك الجهود الضخمة – المفعمة بالإخلاص , من رجالات هذا البلد المبارك في موسم الحج , تكون بركة وخيرا ورزقا عظيما على بلادنا ( َمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) .. وسببا لأمنه الدائم ورخائه وازدهاره .. ( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *