[COLOR=blue]محمد برهام المشاعلي[/COLOR]

الصبر لغة: الحبس والكف، قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ..) الآية، أي احبس نفسك معهم.
واصطلاحاً: حبس النفس على فعل شيء أو تركه ابتغاء وجه الله. قال تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ).
والصبر منزلة من منازل السالكين، ومقام من مقامات الموحدين، وبه يصبح العبد في سلك المقربين ويصل إلى جوار رب العالمين.
اقرؤوا جيدا هذه الآية:(إِلا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر).
قال الإمام الشافعي رحمه الله:\”لو فكر الناس كلهم في هذه الآية لوسعتهم، وذلك أن العبد كماله في تكميل قوتيه: قوة العلم، وقوة العمل، وهما: الإيمان والعمل الصالح وكما هو محتاج لتكميل نفسه فهو محتاج لتكميل غيره، وهو التواصي بالحق، وقاعدة ذلك وساقه إنما يقوم بالصبر\”.
وقد قرن اللهُ – تعالى- بين التواصي بالحق والتواصي بالصبر؛ إعلاءً لشأن الصبر، وتنويهًا بعظيم قدره، وبيانًا لجزيل ثوابه.
والصبر: أبرز الأخلاق الوارد ذكرها في القرآن حتى زادت مواضع ذكره فيه عن مائة موضع، وما ذلك إلا لدوران كل الأخلاق عليه، وصدورها منه، فكلما قلبت خلقاً أو فضيلة وجدت أساسها وركيزتها الصبر، فالعفة: صبر عن شهوة الفرج، وشرف النفس: صبر عن شهوة البطن، وكتمان السر: صبر عن إظهار مالا يحسن إظهاره من الكلام، والزهد: صبر عن فضول العيش، والقناعة: صبر على القدر الكافي من الدنيا، والحلم: صبر عن إجابة داعي الغضب، والوقار: صبر عن إجابة داعي العجلة والطيش، والشجاعة: صبر عن داعي الفرار والهرب، والعفو: صبر عن إجابة داعي الانتقام، والجود: صبر عن إجابة داعي البخل، والكيس: صبر عن إجابة داعي العجز والكسل وهذا يدلك على ارتباط مقامات الدين كلها بالصبر، لكن اختلفت الأسماء واتحد المعنى، والذكي من ينظر إلى المعاني والحقائق أولاً ثم يجيل بصره إلى الأسامي فإن المعاني هي الأصول والألفاظ توابع، ومن طلب الأصول من التوابع زل.
أشق أنواع الصبر على النفوس:
إن بعض الناس يشق عليه القيام بالطاعة وتكون ثقيلة عليه جداً، وبعض الناس بالعكس الطاعة هينة عليه، لكن ترك المعصية صعب، شاق مشقة كبيرة، وبعض الناس يسهل عليه الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، لكن لا يتحمل الصبر على المصائب، يعجز حتى إنه قد تصل به الحال إلى أن يرتد، وكذلك الصبر على بلاء الدنيا منها على سبيل المثال فقد الوظيفة وضيق الذات وقلة الرزق والتشاؤم من الابتلاء وكأن الشخص في صراع مع نفسه بأن حظه في الحياة له هو؟! ودائما يتناسى: ( وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا( فإن لربك عليك حقًّا ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقا ..
البلاء.. امتحانٌ من الله عز وجل لعباده.. ليعرف الصادق من الكاذب.. وليزيد ثبات المؤمن منهم.. فينهار الإنسان أمامه.. ويلعن القدر واليوم الذي نزل فيه هذا البلاء.
الهم.. نيران تستعر في القلب.. وتؤرقه وتضيع الوقت.. وتشيب الرأس وتزيد الغضب بسبب الهم يدمر الإنسان نفسه.. يحاول الخروج منه بشتى الطرق.. المهدئات والمسكنات والمنشطات.. وقد يصل الأمر به إلى الانتحار.
الحزن.. تتنوع أشكاله وطرائقه.. حتى يشحب الوجه.. وتتغير الوجنات.. ويعتصر القلب ألماً.. فيلجأ الإنسان إلى تفريغ طاقة حزنه بطرق شتى.. بالحرام والحلال.. فقد يذهب لشرب المسكر كي يعيش في العالم الآخر.
المغيب عن الواقع.. قسم لم يتأثر بهذه الأصناف الأنفة.. بل زاد من قوته وثباته وإيمانه.. إنه قسمٌ.. نزل به بلاءٌ.. يكاد يزلزل أركانه.. وقد يجعله يفقد الكثير من إيمانه إن لم يكن صادقاً..
إن يقين العبد بأن النصر مقرون بالصبر وأن الفرج آت بعد الكرب وأن مع العسر يسراً يقويه على الصبر على ما يلاقيه،
فهناك عطاء لكن نحن لا نفهم أن المنع عطاء. لأن العطاء عند بعض الناس يوجهه إلى الفحشاء والسوء والمعصية فلو مُنِع كان أفضل له. العطاء فيه ابتلاء والمنع فيه ابتلاء. ابتلاء العطاء أن تؤدي وابتلاء المنع أن تحمد الله وتصبر. والصبر شيء غاب عن الأمة بيقين وبغيابه ازدادت المعاصي لأننا لسنا صابرين ونتذرع بعكس هذا الكلام ويقول الناس أجبرتني الظروف.
الفتنة يراها الناس كأنها مشقة ويعترضون على القدر فكيف نوصل للناس أن هذا فضل من الله تعالى وأنها فرصة للإنسان أن يكسب درجات كبيرة بالصبر.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *