قد تكرس نفسك وجهدك وحياتك وزهرة شبابك لخدمة قضية تظنها عادلة ومنصفة وذات هدف وقيمة ، ثم تكتشف بعد أن تنتصر فيها أنك أخطأت الخطأ الأكبر في حياتك ، وذلك بعد أن رأيت الموضوع من عدة زوايا واتجاهات ، المؤكد أنك حينها ستصبح من النادمين ، تماماً كما حدث للسيدة الأمريكية ” نورما ماكورفي” التي قادت مظاهرات عديدة تطالب فيها بإقرار الإجهاض قانونياً.
كانت فقيرة وغير متعلمة وسكيرة ومدمنة ، وليس لها عمل ، وتبلغ من العمر ٢١ عاماً ، وحينما تستفيق على خبر حمل جديد في بطنها ، تخرج لتقود مسيرات يومية تطالب بإقرار الإجهاض بدعوى أنها هي وأمثالها من الفقيرات لا يمكنهن تربية الأطفال ، فتبنى قضيتهن محامي كبير يسمى ” هنري ويد ” ، فكانت ” ماكورفي” ممثلة لجموع النساء في الأحياء الفقيرة ، وكان ويد ممثلاً لها ، وعرفت القضية حينها بـ ” رو آند ويد ” وبعد عدة جلسات في المحكمة العليا ، حكمت الأخيرة لصالح كورفي ، وأصبح من حينها الإجهاض عملاً قانونياً (١٩٧٣م) ، فشعرت بلذة الفوز ، وتداولت الصحف صورها ، وغدت سيدة ذات شأن ، الأمر الذي أخرجها مما كانت فيه من عربدة ومجون إلي حياة اجتماعية محترمة مع زوج وبيت وأسرة مستقرة ، وقتها تسنى لها التفكير في مسألة الإجهاض ، لكن هذه المرة من موقع مختلف وذهن مختلف وزاوية مختلفة ، فقد فطنت أخيراً إلي أن الإجهاض لم يكن الطريق الصحيح الذي كان عليها أن تدعو بني جنسها لسلكه ، لأنه ببساطة قتل كأي جريمة قتل ، إذ لا فرق بين أن تقتل إنساناً يمشي على قدميه أو أن تقتل إنساناً يعيش بين أحشاء أمه ، ثم مالبث أن أعلنت ندماً شديداً في شتى المناسبات الإعلامية التي كانت تحضرها مؤكدة أنها في قمة خجلها من نفسها لتورطها في الدعوة إلي إقرار هذا القانون ، ومن حينها عزمت على أن تكرس ما بقي من حياتها لتكون ناشطة في الجهة الأخرى .. أي في الجهة التي تناهض الإجهاض لذات الإجهاض ، مشكّلة جمعية حقوقية باسم (لا لقتل الحياة) .
لذا لزاماً على كل فرد منا أن يعي مختلف الجوانب التي تحيط بأكثر المواضيع الاجتماعية جدلاً في بيئته ، فالمسألة التي ينقسم فيها المجتمع لفريقين ، فريق أنت معه ، وفريق أنت ضده ، لابد وأن الأخير له مبرراته التي ينبغي عليك إدراكها وسماعها وتفهمها ، فمتى ما استوعبت موقفه ذاك أدركت سلامة موقفك أنت ، لأنك بهذا فقط ؛ تنصف نفسك وضميرك قبل أن تنصف غيرك.

@ad_alshihri
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *