من المحبرة .. سوء الظن من حسن الفطن
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]علي محمد الحسون[/COLOR][/ALIGN]
** لا أعرف متى كانت أول زيارة لي الى لندن. يمكن تكون قبل أكثر من ثلاثين عاما. اذكر انني أصبت بحالة يقولون عنها \”الصدمة الحضارية\” فهي اول مدينة غير عربية اراها بعيداً عن \”الافلام\” أذهلتني بطقسها البارد الرطب وبتلك الحافلات الحمراء. وببراعة سائقيها في زحام شوارعها وازقتها الملتوية. وبهدوء الناس.. كنت \”أبحلق\” في وجوه الناس لعلي أتعرف على الاستاذ حسن الكرمي الذي كان يقدم برنامجه الشيق والمستحوذ \”قول على قول\” الذي يذاع من اذاعة لندن بتلك الموسوعية المعرفية او تلك المذيعة \”المدفعي\” بصوتها المشبع بالرواء والقادر على الإمساك بأذنك ووجدانك وغيرهما من الاذاعيين ذوي الاداء الباهر وعندما عجزت من العثور على احد منهم بين تلك الوجوه توقفت طويلا أمام ساعة \”بيج بن\” وهي تضرب بجرسها المؤثر .كانت لندن في ذلك الوقت مدينة \”ساحرة\” وباهرة بكل شيء فيها. لقد كان \”ركن الخطابة\” في حديقة \”الهايد بارك\” مفجعا لي.. لأول مره آسمع كلاما مثل ذلك الكلام الذي يقوله الخطيب في ذلك النفر بلا خوف أو أدب بدا لي انه \”مجنون\” وهؤلاء يعرفون ذلك فلا يعترضون عليه بل يتركونه يقول ما يريد. كانت لندن في ذلك الزمان مدينة تعيش نظامها بكل ارتياح وبكل ثقة أيضاً. فالكل عندها سواء. شخصية \”الانجليزي المستعمر\” لا أشعر بها فانا من بلد حماه الله من الاستعمار لهذا لم اكن احمل اية حساسية من هذا النوع. مع الايام وتسابق الاحداث بدأت لندن تستقبل القادمين اليها من كثير من الجهات وبعضهم الفارون والهاربون من بلدانهم. ومعهم كل عقدهم النفسية وكل \”هرطقاتهم\” الفكرية وروحهم الاجرامية فلم تقف في وجههم. تركتهم يعيشون في بلد سوي، يفترض في الاخرين انهم اسوياء حسنو النية. لكن ليس هذا هو الصحيح. فهؤلاء الذين ذهبوا اليها بهذه العقبات الضارة والمريضة كان عليها ان تعيد حساباتها معهم وعليهم أي الانجليز.. ان يطبقوا الحكمة التي تقول: سوء الظن من حسن الفطن. تأكد لدي كل ذلك عبر عشرات المرات التي زرت فيها لندن بعد ذلك.
لا أعرف إذا ما عدت يوماً الى لندن هل أجد تلك النظرة الحسنة النية؟! أم نجد وجوهاً مكفهرة تخرج \”الانجليزي\” من بروده وأناته؟
التصنيف: