من المحبرة .. جدته التي مضت

• علي محمد الحسون

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]علي محمد الحسون[/COLOR][/ALIGN]

** كان يجلس بجانب \”جدته\” العجوز واضعاً راحيته تحت \”ذقنه\” وعيناه مغروستان على صفحة وجهها حول \”كانون\” النار في ذلك الشتاء القارس لا يختلط بصوتها سوى صفير الريح وهي تتخلل شقوق النافذة.. كان يستمع إليها وهي \”تحكي\” له عن ذلك الفارس الذي أتى في الليل \”البهيم\” على حصانه الأبيض وخطف حبيبته ومضى بها.. أو ذلك الذي يصول ويجول في ساحة الميدان.. والرجال يفرون من بين يديه كالجراد المنتشر.. أو ذلك ابن الحارة الذي يتحرك في عنفوان حول \”النار\” وفي يده ذلك \”الشون\” الذي سقاه \”بالحناء\” والسمن.. وفي رأسه أدخل جلد ذيل \”البقر\” ليعطيه قوة أكثر.
صور عديدة كانت تأخذه إلى عالم من الاساطير والاعجاب بأصحابها. كان يستمع إليها مذهولاً.. لا يريد منها ان تصمت.. إلى أن تغمض عيناه.. بسحر ذلك – الكلام.. فينام.
مضت \”جدته\” إلى خالقها.. أصابه حزن عميق بفقدها لم يعد يستمع إلى تلك البطولات.. كبر وكبر معه إحساس بأن لا بطولات في هذا الزمن.
ضاقت نفسه بهذه الانكسارات وبهذا الهوان الذي يعيشه الناس.. في ذلك اليوم وهو يرى محمد الدرة.. وآيات الأخرس.. وعشرات من أبناء فلسطين وهم يتصدون لهذه المجنزرات وهذه الطائرات.. وهذا الرصاص بصدورهم العارية إلا من الإيمان.. تمنى لو أن جدته.. بجانبه لترى الحقيقة أمامها ولنسيت كل تلك الأساطير التي \”حبكتها أخيلة\” الرواة.. ولشعرت بضآلتها أمام هذه البطولات التي تتكرر هذه الأيام – في غزة – الباسلة بصمود من أهلها.
على الطرف الآخر كانت شاشة التلفاز تنقل إليه صوراً للدمار في العراق. فهذه بغداد وقد تهاوت أمام المجنزرات وهذه المتفجرات. حمد الله على أن جدته لم تكن موجودة لتشاهد هذه النفوس التي تتطاير من جراء حزام ناسف تمنطق به أحدهم داخل مسجد أو في سوق للخضار.
إن شريطاً طويلاً يمر به هذه اللحظة وهو يعيد إليه شيئاً من التساؤل إلى متى هذه الحال؟

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *