[COLOR=blue][ALIGN=LEFT]شهوان بن عبد الرحمن الزهراني[/ALIGN][/COLOR]

وجود الخلل في الضمائر الذي يؤدي إلى توجيه بوصلة الأهداف في العمل الإداري وتحويلها إلى قطب المنافع الذاتية، واختراع الأساليب والطرق في كيفية استلاب الأموال وتحويلها إلى الحسابات الشخصية، هو مرض قديم وشرٌّ ووبال مستطير، وفي ذات الوقت مرض معد خطير، تنتقل عدواه إلى الآخرين بسرعة مذهلة ومميتة في ذات الوقت لكل ضمير تحل فيه، ولهذا يتكاثر المصابون بهذا الداء كانشطار الذرة، وبعض المخلوقات التي تتوالد وتتكاثر بالانشطار، فيزداد عددها بسرعة هائلة إلى الحد الذي يصعب معه تحجيم عددها ومعرفة مواطنها. ولهذا فالفساد الإداري حينما يحل في إدارة أو مؤسسة خاصة أو عامة فإنه إن لم يتم اجتثاث أسبابه وعلاج آثاره وتجفيف منابعه، فإنه لاشك سيستشري ويتفاقم، ومن ثم يصعب علاجه أو السيطرة عليه، مما يؤدي إلى انحراف كبير عن الأهداف المطلوبة، واعتداء صارخ على المصلحة العامة.
إن العلاج لمثل هذه البثور ومحاربة أهلها، في اعتقادي ليس صعب المنال، ولم يكن لغزاً محيراً، ولا يحتاج كبير عناء ولا وجود جيش يقاوم المتلاعبين. إنه بكل بساطة أن يكون هناك جهة تقوم بالمحاسبة الدقيقة والجديّة والشاملة دون استثناء، وبما أن الفساد الذي ينخر في جسم العمل الإداري غالباً يكون في الجوانب المالية ولهذا فمشاطرة الموظف العام في هذه الثروة أو مصادرتها بالكلية وفق الحال حينما يظهر عليه الثراء الفاحش، فإن ذلك هو الحل الذي يجتث مثل هذا المرض أو يقلل من انتشاره على الأقل. فالتشهير بالموظف وعزله من وظيفته ومصادرة المال الذي تموله خلال وظيفته بدون وجه حق، هي عوامل تؤدي إلى وضع حدٍ لهذا الاستغلال والفساد.إن العمل بموجب نظام المشاطرة والمصادرة علاوة على العزل من الوظيفة والتشهير بالموظف الذي ولغ في حمأة الفساد هي بكل تأكيد العلاج الذي يفيد مثل هذه الفئة من الناس بعد أن باعت ضمائرها للهوى والشيطان وضحَّت بمصالح الأمة في سبيل مصالحه الذاتية.
إن مصادرة الأموال الناتجة عن الاختلاس والرشوة والهدايا واستغلال النفوذ بعد أن تتم المحاسبة الدقيقة لمصادر دخله وكيفية الحصول عليه، هو أمر ليس بالبدعة أو الأمر الجديد في الإدارة الإسلامية بل إن قدوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يحاسب عماله .. روى البخاري قال : \” استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً على صدقات بني أسد يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه. قال : هذا لكم وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلاّ جلستَ في بيتِ أبيكَ وأمك حتى تأتيكَ هديتُك إن كنت صادقاً.. ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : [ أما بعد فاني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله. فيأتي فيقول : هذا مالكم وهذا هدية أُهديت لي، أفلاّ جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته ! والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة. وكما ثبت أيضاً أن الفاروق عمر بن الخطاب قد صادر أموال بعض الولاة والأمراء والعمال رغم مكانة أولئك وسابقتهم في الإسلام، حينما كانت ثرواتهم تفوق معدل الوفر من أعطياتهم – رواتبهم – فضلاً عن ان هذا المبدأ كان قد صدر به أمر ملكي عام 1383هـ وكم هو مفيد ونافع تطبيقه.
وهناك فساد آخر غير الفساد المالي وهو الفساد في استغلال النفوذ وتوجيه بوصلة العمل نحو تحقيق مصالح الأقرباء والمعارف فالتوظيف والتعيين أصبح في بعض المؤسسات العامة والخاصة حكراً على الأقارب والأحباب والأصحاب وليس للكفاءة والقدرة ولا يغرنكم وجود الحاسبات والفرز الآلي فتلك خدعة ومن السهل توجيهها نحو الوجهة المبتغاة وتذليل أرقامها وبرمجتها لتكون في مصلحة القريب والحبيب. فهناك من يمضي سنوات طويلة بعد تخرجه من الجامعة يبحث عن وظيفة فلا يجدها، رغم أنه يحمل مؤهلاً علمياً يتطلبه سوق العمل وتخصصاً ضمن التخصصات النادرة وجاهزية للعمل في أي منطقة ومع ذلك تذهب جهوده وبحثه عن الوظيفة أدراج الرياح بينما هناك من يتخرج من الجامعة ويجد الوظيفة المناسبة في انتظاره ليس بسبب مؤهله العالي أو تخصصه النادر ولكن لوجود من يمهد له الطرق الشائكة ويذلل له الصعاب ويفرش له السبل بالورود والرواتب المغرية. فهل هناك فساد بعد هذا الفساد؟. لقد حان الوقت لتفعيل دور هيئة حماية النزاهة ومحاربة الفساد، للحيلولة دون استشراء هذه الفساد. ووضع الأمور في مواضعها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:اللهم من ولي من أمر المسلمين شيئاً فرفق بهم فارفق به ومن ولي من أمر المسلمين شيئاً فشق عليهم فأشقق عليه].
اللهم اغننا بالحلال عن الحرام، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.
ص.ب 14873 جدة 21434
فاكس : 6534238

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *