ملايين حكومية تتطاير في الهواء

• الشريف خالد بن هزاع بن زيد

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]الشريف خالد بن هزاع بن زيد[/COLOR][/ALIGN]

ما رأيكم لو أن جهة خصصت مليوناً ونصف المليون ريال ويزيد لتلميع صورتها إعلاميا، يعني حملات دعاية مبطنة مدفوعة تتولاها جهة خاصة مقابل هذا المبلغ المحترم، حيث تقوم بنشر أخبار هذه الجهة والتي لديها أساساً إدارة للعلاقات العامة، ومن المفارقات أن تكون إدارة العلاقات نفسها هي المهتمة والساعية إلى هذا العقد حتى إتمام الصفقة أو سمها ما شئت .
لا تستغربوا ولا تعجبوا، فهذا موجود، وإلى هذا الحد بلغت الجرأة على هدر المال العام دون هدف، فيما ألف مشكلة ومشكلة يعاني منها الناس في حياتهم اليومية ولا حياة لمن تنادي، وتتعرض صحتهم لأخطار أوبئة ولا تحرك ساكناً .
لا أظن أن أي إنسان منصف وإداري حصيف ومسؤول غيور يقبل إنفاق أموال بلغة الملايين لتلميع إدارة حكومية يفترض أن تنفق كل ريال في مكانه الصحيح ليعود على المواطن والمجتمع بالنفع والخدمات المتطورة، وما أكثر الخدمات المفقودة والمشاكل الموجودة وحلول منشودة طال انتظارها حتى أصبحت سراباً .
ما نعرفه وتعرفه الأنظمة الإدارية أن أي جهة حكومية تنشئ إدارة أو قسماً للعلاقات العامة أو الإعلام لتقوية التواصل مع مراجعيها والمستهدفين من خدماتها، وتوعيتهم ورصد مشكلاتهم وإيصالها للمسؤولين لعلاجها بالقرارات والإنجاز وليس بكلام تنفق عليه مئات الآلاف أو ملايين الريالات فيما المشكلات هي نفسها وتتراكم أكثر وأكثر . . فما جدوى الدعاية، وما مردود الملايين عليها؟ . . ومن يصدق كلاماً لتلميع صورة هذه الجهة الحكومية أو تلك بينما الواقع غير؟ .
مشكلتنا أن البعض لا يرون إلا صورتهم ولا ينزلون للواقع ولا يرونه على حقيقته، ولا يهمهم ماذا قدموا، ولا يتعاملون إلا مع أفكار عرجاء لا تغني ولا تسمن من جوع في الصالح العام، ويزين لهم مستشاروهم سوء الأعمال، والثمن ملايين من أموال الدولة، بينما طريقها الصحيح معروف .
فماذا يفيد المواطن أن المسؤول الفلاني ملء السمع وكل يوم عنه خبر مع صورته وتذييل الخبر بأنه تصريحاً على لسان فلان مدير العلاقات العامة، يعني اصطياد عصفورين بحجر وكله على حساب الحكومة كما تقول اللغة الدارجة .
إذا افترضنا أن أمراً كهذا يحدث في إحدى أجهزة الأمانات فإنه يكون أكثر خطورة، وإذا افترضنا أن الحملة الدعائية المدفوعة عدّاً ونقداً ستتحدث عن إنجازات بلدية في جدة مثلاً، فإنها تكون من المضحكات لكنه ضحك كالبكاء، فالمواطن وكل الناس عموماً لا يهمها من قريب أو بعيد اسم وصورة المسؤول وما يكتب عنه، بل غايتهم أن يسمعوا لغة الإنجاز على أرض الواقع : حل العشوائيات وتوفير خدمات أساسية ليعيشوا بالحد الأدنى من الحياة السهلة، فهل أصبح ذلك غاية لا تدرك .
يهمهم أيضاً أن يأتي يوم فلا يجدون حفراً تكسر عظامهم وتُسقط حمل نسائهم قبل خراب سياراتهم، بل طرق سهلة فسيحة تيسر وصولهم في مواعيدهم، ومشاريع أنفاق وكباري على أساس سليم ودقيق لا أخطاء في تصميمها وتنفيذها ومواقعها وتكلف الدولة خسارة بعشرات الملايين .
إن الأخطاء والأخطار على أرض الواقع إنما هي نتيجة حتمية لأخطاء إدارية بالجهة ذات الصلة، وليتنا نتعلم من الأخطاء لكنها تتكرر بصورة تدعو إلى المراقبة والتقييم لأي جهة تخل بالأمانة في عملها لأن المعيار الأساسي هو الصالح العام الذي من أجله تنفق الدولة مئات المليارات .
لنتصور مليوناً ونصف المليون ريال كم توظف شاباً سعودياً بدلاً من حملات دعاية لا مبرر لها ولا طائل منها ويقوم عليها وافدون، وأترك الحسبة لكم . . وكم يكفي هذا المال لعلاج مشكلات داخل أي مدينة تخفف معاناة السكان، وماذا استفاد الوطن والمواطن من أموال كبيرة كهذه تطير كالدخان .
ألم يحن الوقت بعد لوضع حد لمثل هذا التسيب والتلاعب والتستر وراء أفكار عديمة الجدوى وتسيء لأي جهة تفعل ذلك، بل تسيء للوطن عندما نقرأ ويقرأ غيرنا أخباراً وردية والواقع محبط ومؤلم كأنه مرض مزمن . . ومن لا يعجبه رأيي فليسمع شهادة
أي وافد بسيط من بلاد الهند والسند يقيم في مدينة جدة مثلاً دون أن تطلب رأيه، سيقولون الحقيقة التي يجب أن يُسأل عنها المتسببون وعن تبخر الملايين .
فلا تجعلوا صورتكم أكبر همكم . . وكفى استهتاراً بعقول المواطنين وإهداراً للمال العام، واتقوا الله فيما اؤتمنتم عليه بحق هذا الوطن المعطاء .
* نقطة نظام : تقول الحكمة الهندية القديمة : يستحيل على المرء أن لا يذوق عسلاً أو سمّاً امتد إليه لسانه .
[ALIGN=LEFT]sh 98 khalid@ gmail . com[/ALIGN]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *