[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] أنس الدريني [/COLOR][/ALIGN]

حين تستحضر الطفولة بملامحها البريئة يبدو الحنين وقد سرق من لحظاتك العابرة برهة تأمل .. ستوُقف الزمن وتسرد الحكايات القديمة وكأنك في مشهد مسرحي حي , هذا السيناريو أراه فصلا من رواية غابرييل غاريسيا ماركيز ( عشت لأروي ) فغابيرييل يرى بأن الحياة ما نعيشه لنرويه وأحسب أن فيما يقول حقيقة دامغة وكأني به ذلك المستشرق الذي وقف أمام منظر خلاب في الأندلس وراح يردد : ما قيمة أجمل منظر من دون أن يكون معنا من نحدثه عنه , وإن كنت لا اعلم هل الطفولة التي عشتها طفولة حقيقية أم لا , فمحمد صادق دياب – رد الله غربته – يقول بأن جيل اليوم لم يعش طفولة حقيقية لكنني متيقن من أن شيئا مما يعنيه قد سٌجل في أيام صباي فالحارة ظلت إلى وقت قريب محطة للقاءات اليومية الباعثة على التقارب والتآلف .
كان حيّنا الصغير على ضفاف (الحوراء) يمثل فرصة لتأطير الصداقة بين أبناء الحي حيث الالتفاف حول بعضنا البعض في أوقات الترفية إما جريا خلف الكرة أو سمراً في جلسات المساء أو في وحدتنا التي تجسد القوة والعزوة والحميّة .. بل ما زلت أذكر جارنا العتيق أبو صابر عندما كنا نجتمع من حوله ليسرد على مسامعنا قصص البحر والبحارة وما أجمل ذلك المنظر إذا ما حان الأذان واتكأ على عصاه ليجدنا قد سبقناه إلى المسجد وفي الصف الأول كالعادة .. اختلف المشهد اليوم بعد أن طغى التمدن وكثرت منافذ التسلية مع هذه العزلة التي تفرضها التقنية من إنترنت والعاب وقنوات فأصبح من النادر أن ترى تلك التجمعات في الأحياء, لقد اختلفت طبيعة البشر بعد أن توارى الأمان الذي كان يخول الآباء بترك أبنائهم في الحي دون خوف أو قلق .. أحسب أن ثمة ما يؤكد بان هذه الأجواء ضرورية في صقل شخصية الطفل ليكون أكثر وعيا بظروف مجتمعه بل وتمكنه من التعرف على الخطأ والصواب دون أن يصبح صيدا سهلا أمام مغريات الحياة ..
أحد الأصدقاء يقول لي بعد أن عاد للتو من دبي , هناك في كل حي من أحياء دبي مركز يضم مسجدا وملعبا وصالة ومكتبة, يجتمع أفراد الحي فيه للترفيه والتنفيس ليمتصوا طاقتهم ويخلق أجواء من الحيوية والتعارف والاحتكاك أمام أعين أولياء الأمور ..راح صديقي يقارن بين واقع تلك الأحياء و أحيائنا الكئيبة والتي لا يُسمع فيها سوى صفير الريح فلا مراكز او مرافق أو حدائق.. اكتفى صديقي بالصمت..أحسست بأنه يحلم بأن يكون في أحيائنا شيء من هذه المراكز بمرافقها المتعددة .
فيا مسئولي التعليم ويا مسئولي البلديات والتنمية الاجتماعية ضعوا في قوائم الانتظار هذه الأفكار الهامة لعلنا نظفر في يوم ما بواقع أجمل لتعود الروح إلى هذه الأحياء القاتمة الكئيبة .
[email protected]
0508372421

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *