رغم المأساة، أتى فقدان طائرة تابعة لخطوط “آير آسيا” وسط طريقها من اندونيسيا الى سنغافورة وهي تحمل على متنها 162 روحا كحدث أبعد ما يكون عن المثاليَة لكن بتوقيت مثالي ليصرف انتباه السُعوديين خاصَة والعالم عامَة عن حدث شبيه في المجال كما في بعده عن المثاليَة. فما أهميَة تسرُب مياه الصَرف الخاصَة بحمامات طائرة وخروجها والفضلات لجولة بين مقاعد الرُكاب والممرَات في رحلة مدَتها تتجاوز 13 ساعة، إن وضعنا في الكفَة الأخرى فقدان طائرة بركَابها..! تركنا مأساتنا وتابعنا مأساة غيرنا باهتمام وأسى حتى تم العثور على جثث بعض ركَاب الطَائرة المفقودة طافية فوق سطح البحر فيما استمر البحث عن حطام الطائرة وبقيَة الركاب. ثم أصدرت الخطوط السعودية بيانا تعتذر فيه لركَاب “رحلة الصَرف الصِحي” _كما جرت تسميتها من قبل العامَة_ بعد أن أجبرتهم على اكمال الرحلة بتلك الحالة، جاء فيه: “للإيضاح وليس للتبرير، مصدر المياه كان من أنابيب تصريف مياه غسل اليدين والمنفصلة تماما عن نظام الصَرف الصِحي للطائرة”. بيان “الإعتذار والتَبرير” أعاد انتباهنا لمأساة رحلة واشنطن-الرياض والتي تفرَعت على إثره الى أربع مآسي.
الأولى: قضيَة أن الرُكاب طلبوا أن تهبط الرحلة منذ أول دقائق لإقلاعها حيث بدأ الطفح، خاصَة وأنها رحلة طويلة جدا وقوبل طلبهم _الذي هو أقل حقُوقهم في هكذا ظرف_ بالرَفض والتَعنُت.
الثَانية: جاء البيان لإيضاح أن المياه كان مصدرها أنابيب غسل اليدين، فيما جاءت مقاطع الفيديو والصور التي صورها ونشرها بعض الشهود لإيضاح أن لون المياه التي لوَثت الأغطية المفروشة في الممرات للحد من التسرُب كان “أصفر”، كما ظهر في التَصوير ما يشبه الفضلات، وقد تمَ تبرير ذلك بأنَه كان بن القهوة المطحون الذي تم نشره لتخفيف الروائح، والسؤال هنا: أي روائح إن لم تكن مياه صرف صحِي؟! وإن افترضنا أن الطَفح جاء من أنابيب غسل اليدين وليس من أنابيب الصَرف الصحي، هل كان ذلك بإختيارهم؟ الجواب: لا. إذا لماذا نستبعد الفرضيَة الأخرى!
الثَالثة: التَبرير المقصود منه الإيضاح، هو سياسة إداريَة مخضرمة نشأت عليها بعض مؤسساتنا وترعرعت لعقود لم يكن فيها هواتف ذكيَة وصحافة غير رسميَة ومواقع تواصل أوانترنت، ولذلك ربَما يكون من الظُلم أن نتوقَع سرعة مواكبة هذه الإدارات للتغييرات التكنولوجيَة بأن يكون لها حسابات تواصل للتواصل _وليس للتَسويق_ مثلا؟ أو أن يكون لها مستشارين اعلاميين لإحاطتها بما تسرَب وذاع مثلا؟
الرابعة: “أم المآسي” وأقولها وكلِي أسف، مواطنا كنت أو مقيما، على أرضنا كنت أم في السَماء، سقطت في بلاَعة أو طرت في العنان، يبدو أن التلطُخ بمياه الصَرف عليك مكتوب مكتوب مكتوب.
وأختم بأن الإعتذار والتعويض مقبول، أما الإهمال و”التَوضيح” فمرفوض!

@tamadoralyami
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *