مكامن السحر وليس مكائنه

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]هناء حجازي [/COLOR][/ALIGN]

كان أسبوعا عجيبا، لم يكن العجيب بالنسبة لي تدفق الناس زرافات ووحدانا يحملون ماكينات الخياطة السحرية، أقول لكم الحق، كان منظر هذه الماكينات بديعا، ذكرني بماكينة والدتي وجدتي، سنجر العتيقة، سألت أمي عنها قبل بضعة أعوام، فقد رأيتهم يستخدمونها كتحفة في برامج الديكور، وفعلا، شعرت من وقتها كم هو منظرها جميل وساحر، سحرا بعيدا عن سحر الزئبق الأحمر، هذه الماكينات كانت الطريق الأول لعمل المرأة ، هذه الماكينات أصلحت ثيابا وكففت عبايات، هذه الماكينات، كانت موسيقى البيوت القديمة.
منذ فتحت عيني على الدنيا كنت أرى أمي منكفئة عليها، تخيط ملابسنا وملابس أخريات، رأيت الصبايا يخطرن إلى منزلنا، ويد امي الماهرة بمساعدة سنجر تلبسهن أحلى الفساتين.
وقعت في هوى سنجر، هذه الماكينة ذات الخصر، تختلف عن ماكينات هذا الزمن اللاتي تخلين عن اللون الغامق الجميل والقد الأهيف والحزام الذهبي، وصرن بلا لون ولا قد، ماكينة بمعنى ماكينة، ليس فيها أية لمسة فنية أو إنسانية.
كان أسبوعا عجيبا لأني سمعت الكثيرين وقرأت للكثيرين الذين سخروا من الباحثين عن الثروة في بطون الماكينات، مع ان العجب الأكبر ما يرونه في حياتهم كل يوم ثم يعرضون عن تصديق إشاعة، كيف يمكن لنا أن نلومهم، هؤلاء الذين وضعوا أموالهم في سندات وهمية قيل انها أسهم، ثم ضاعت أموالهم بين ليلة وضحاها، ولم يجدوا أحدا يلجأون إليه واختفت أموالهم كأن في الأمر سحرا، لم يحاسب أحد ولم يعوضهم أحد..
كيف نلومهم وهم يقرأون على مدى اعوام اخبارا في الجرائد اليومية تحكي عن سحر الشغالة فلانة والجارة فلانة، أخبارا مصورة فيها شاشة ومسحوق أسود، وتحذير من الخادمات الساحرات، لماذا إذن يصبح الأمر سخيفا ومضحكا إذا تحدثوا عن زئبق أحمر وماكينة خياطة..
كيف يصبح الزئبق الأحمر إشاعة مغرضة، بينما يرى الناس في حياتهم، اشخاصا يكسبون الملايين، وهم مجرد موظفين، أليس هذا سحرا؟ بالنسبة لهم ربما هو أشد من السحر، على الأقل هم لم يسمعوا عن زئبق أحمر عكر على الناس حياتهم بمشاريع فاسدة أو أموال مسلوبة..
أليس ساحرا هذا الزمن الذي نعيش فيه؟
انظروا حولكم، انظروا جيدا ، تمعنوا في كل الأشياء غير المعقولة التي تحدث ثم خبروني، هل تستطيعون أن تلوموهم أو تضحكوا عليهم، هؤلاء الباحثون عن زئبق أحمر قد يعيد التوازن للجنون في حياتهم.
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *